ثقافة وفن

«ليلى الصباغ.. رحلة في التاريخ تأليفاً وتحقيقاً وتدريساً» … معلمة وتربوية خطت منهجاً مهماً في التربية يعتمد الصرامة والقوة مع الحنان والرحمة

| سارة سلامة

صدر عن الهيئة العامة للكتاب، كتاب بعنوان «ليلى الصباغ» رحلة في التاريخ تأليفاً وتحقيقاً وتدريساً، وهو وقائع ومجريات الندوة الثقافية الشهرية التي كانت باسم «سوريات صنعن المجد»، إعداد وتوثيق الدكتور إسماعيل مروة، ونزيه الخوري.
وندوة الأربعاء إذ تختار الأستاذة الدكتورة الراحلة ليلى الصباغ عضو مجمع اللغة العربية، فإنها تختارها محاولة تلمس كبرياء العالم والإنسان فيها وقد اختارت الندوة أن يتحدث عنها: الدكتور عبد الناصر عساف المحقق والمدقق وعضو مجمع اللغة العربية ليقدم قراءة في منهجها في التحقيق.
عامر الصباغ: ابن أخيها المهندس الذي يقدم صورة عن قرب لها.
غسان كلاس: الأستاذ الذي يقدم لمحة عن جهودها في التربية والتعليم.
الدكتور إسماعيل مروة: يقدم صورة للأستاذة العالمة.
حالة متفردة

وتمثل الدكتورة الصباغ حالة متفردة في تاريخ الثقافة والتعليم في سورية، ليس على صعيد المرأة فقط وإنما على صعيدها بشكل عام، فهي من رائدات سورية وروادها، إذ لم تكن الصباغ في بيئة تتيح لها الانطلاق بأجنحة العلم إلى سماوات فسيحة، ولكن كبر العقل عندها، وعظم الطموح بين جوانحها، وبعد النظر في بصيرتها، وحب الوطن المتجذر في دمها، وعشق عملها وعربيتها يفيض عما يمكن أن يتخيله المرء ما جعلها تنفض عن كاهلها الراحة والخلود إلى السكينة لتكون الينبوع المتفجر علماً، والطائر المحلق الذي لا يلحقه شبيه، والراهبة التي جعلت العلم والتربية عقيدة وسلوكاً.
هي ليست دراسة فقط، بل هي أولى الدراسات، لم تدخل الجامعة وحسب، بل أولى المغتربات سعياً وراء علم، لم تكن أولى المديرات ولكنها كانت الأولى في الإدارة، طالباتها بناتها، وزميلاتها بناتها اللواتي تحاسبهن، وقد تكون الصباغ أول من أدار تربيةً وأول من يحدد النتائج ويرقبها ويرصدها ويتوقع ما يكون منها.

منهج التحقيق عندها
وفي بحثه يقول الدكتور عبد الناصر عساف: إنه «بات من المعروف عند الباحثين والمختصين أن التحقيق بهذا الوجه يعني إخراج النص التراثي من حالته الخطية الأولى كما أراده صاحبه، أو في أقرب صورة ممكنة من ذلك، وخدمته وإضاءته.
وإذا كان التحقيق بمعناه العام بادياً في معظم ما جادت به قريحة الصباغ من كتب وأبحاث ودراسات، متمكناً منها، وكان قطعة من منهجها العلمي الذي كانت حريصة عليه ما استطاعت، فإن مشاركتها في التحقيق بمعناه الاصطلاحي الدقيق انحصرت في تحقيق كتاب (المنح الرحمانية في الدولة العثمانية)، وذيله (اللطائف الربانية على المنح الرحمانية)، وكلاهما لمحمد بن أبي السرور البكري الصديقي المتوفى سنة ألف وإحدى وسبعين للهجرة، وقد زخر ذلك التحقيق بما عرف عنها من علم ومنهج وإخلاص وإتقان. وذكرت الصباغ في الكتاب الذي حققته ما سمته خطوطاً من منهج التحقيق، وأول تلك الخطوط الاعتماد في تحقيق النص على منهج المخطوطة الأصل، مع معارضتها بالنسخ المخطوطة الأخرى، وبالمصادر والمراجع المساعدة في إقامة النص وتحريره وتخريج مادته، ولاسيما إذا كان في النص ما فيه من دقائق واضطراب، ونسخه المخطوطة من اختلاف أدل على شخصية المحقق من منهج النص المختار.

صورة عن قرب
أما عامر الصباغ فقال: إنه «كان لليلى شخصية قيادية واضحة حازمة أحياناً، حانية في أخرى، هدفها الأول والأخير مصلحة الطالبة ومستقبلها وبناء شخصيتها على أساس العلم والصدق والإخلاص ومحبة الوطن وتهيئتها لتكون أماً صالحة لجيل الغد، والطالبات شعرن بهذا الحب والصدق وكان تأثيرها بهن عظيماً وامتد إلى عائلاتهن، وكثير منهن حافظن على الاتصال بها ومراسلتها إلى نهاية حياتها.
وأكثر ما عبرت به الطالبات عن مشاعرهن كان في مقدمات أعمالهن التي كانت تلقى الدعم والتشجيع منها.
كتبت إحداهن وكانت طالبة في دار المعلمات في مقدمة رسالة بعنوان الرحالة ابن جبير للعام الدراسي 1950- 1951: إلى مربيتي أستاذة الاجتماعيات التي وضعت في بناء العلم وتنمية ثقافة طالبات دار المعلمات الدعامة الأولى من نوعها. صنعت خطة جديدة لا بد لمن رافقك أو اطلع على جميل صنعك ممن يريدون أن ينهضوا بثقافة معلمات الغد وتلميذات الحاضر إلا أن يقتفي هذا الأثر ويتبع هذا الرأي الحميد.

صناعة الإنسان وتاريخه
وتحدث الدكتور إسماعيل مروة في بحثه قائلاً: «لعل أهم جانب من جوانب حياتها وجهودها التربية، فقد بدأت حياتها معلمة وتربوية، ومشرفة تربوية خطت منهجاً مهماً في التربية يعتمد الصرامة والقوة مع الحنان والرحمة، وهذا المنهج لا يزال في خاطر كل من شهد هذه المرحلة المهمة ليس في حياة الصباغ وحدها، بل في حياة التربية في سورية، وأغرب ما في الأمر أن الناس يذكرون هذا المنهج، ويستذكرون الصباغ، ولو كانوا من المتضررين من منهجها وصرامته، هذا المنهج الذي حدا بكبار الشخصيات السياسية والتربوية للإشادة بها وبما قدمته من خلال إدارتها لأهم منشأة تربوية سورية في حينها، وقد كانت الصباغ تؤدي مهامها التربوية الصعبة القائمة على المتابعة الحثيثة واللحظية، ولكنها في الوقت نفسه كانت تعمل باجتهاد لا مثيل له لمتابعة عملها وتحصيلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن