من دفتر الوطن

الكومبيوتر والمكدوس!

| عصام داري

لا تستغربوا هذه المقارنة، أو هذا الربط بأحدث التقنيات التي توصلت لها البشرية، وبين المكدوس الذي نتناوله عادة على موائد الإفطار.
فقد مر مخترعو الكومبيوتر، أو الحاسوب، بمراحل عديدة من التجارب والدراسات والتعمق في علم الرياضيات حتى توصلوا إلى هذا الاختراع العجيب الذي أكتب هذه الكلمات بواسطته، لأنه ألغى القلم والورق، وحل محل الكثير من الأجهزة مثل الساعات والتقويم والمذياع والتلفاز والآلة الحاسبة وغيرها.
و«اختراع» المكدوس تطلب الكثير من الجهد والتفكير والتجارب حتى وصل إلينا اليوم، فعلى سبيل المثال: كيف توصلوا إلى أن المكدوس يجب أن يبدأ من سلق الباذنجان وليس قليه؟ ولماذا تتكون الحشوة من الفليفلة الحمراء والجوز وليس من الفاصولية الخضراء واللوز، وأن يضاف الثوم وليس البصل، ومن ثم يوضع بأوعية (قطرميزات) ويضاف إليه الزيت البلدي، يا ولدي، وليس السمن أو الماء؟
هذا اختراع بحد ذاته، يضاف إلى الكثير من الاختراعات، لو فكرنا فيها اليوم لوجدناها اختراعات مهمة لخدمة أصحاب الكروش المنتفخة، والأموال الطائلة، فالفقير هذه الأيام لا يستطيع صنع المكدوس بعد أن سافر الجوز بقطار الزمن وتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد خمسة آلاف ليرة، وكم خمسة آلاف ليرة يجنيها الفقير في الشهر؟ وهل المكدوس أهم من البرغل والفلافل والزيتون الذي هو الآخر غدر بالفقراء وصار سعر الكيلوغرام أكثر من ألف ليرة؟
فكروا باختراع الهامبورغر والبيتزا والمحاشي والسجق والحفاتي والسنداوات وغيرها من الطبخات التي تجدونها على موائد الناس من ذوي الاحتيالات الخاصة، والممنوع على الفقير مجرد التفكير فيها، لأن تفكيره بهذه المأكولات يعتبر جنحة يعاقب عليها القانون!
اليوم نحن بحاجة لاختراعات جديدة، كأن نخترع وقوداً رخيص التكلفة نستعيض به عن الغاز الذي أصيب بنوبة جنون وغرور وابتعد عن الفقراء، ونام في بيوت المحتكرين والمتاجرين بالمواطن نفسه، وليس بلقمة هذا المواطن، وهناك تجارب تفيد بأننا قادرون على توليد الطاقة من القمامة (إن وجدت!) أو من أشعة الشمس (الطاقة النظيفة) بشرط أن تنفذ الدولة مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية توزعها على الناس بدلاً مثلاً من الكهرباء التي صارت (سويعاتية) تحضر وتغيب على مزاجها ومزاج المسؤولين عنها والمكلفين بإزعاجنا في اليوم عشرات المرات!
نريد اختراع حبوب متنوعة تغني عن الطعام، وبأسعار منافسة ومناسبة: حبة لحم مشوي، وحبة كبة وأخرى فلافل ورابعة كافيار لذوي الدخل العالي! ولا تنسوا المكدوس، هذا الاختراع السوري الذي سبق عصره بامتياز.. وهكذا، مع توخي الحذر عند توزيع هذه الحبوب كي لا يغرق المواطن في الزحام كما هو حاصل في ليبيريا عندما فقدت أسطوانات الغاز عندهم أكيد!
من قرأ زاويتي هنا في هذا الركن من «الوطن» في الأسبوع الماضي يتذكر أنني قررت ألا أهاجم الحكومة وقراراتها وسياساتها أبداً، وها أنا ذا أفي بوعدي وأبتعد عن مهاجمة الحكومة المهضومة وقراراتها الميمونة، وفوق غصنك يا ليمونة، والحمد لله أن الليمون رخيص هذه الأيام، اللـه يبارك!
أخيراً هل اقتنعتم بأن اختراع المكدوس يضاهي اختراع الحاسوب؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن