قضايا وآراء

بوتين و«المعارضة الرشيدة»

مازن بلال : 

سواء كانت معارضة «رشيدة» أم «بناءة» فإن الرئيس فلاديمير بوتين تحدث عن قبول دمشق بمبدأ «المشاركة»، وهو ربما لم يكشف جديداً لكنه طرح «سياقا» في حل الأزمة السورية وسط تحولات تضعها ضمن موقف إنساني، ويجعل من قضية اللاجئين نقطة ارتكاز جديدة في البحث عن حلول على المستوى الدولي والإقليمي، فالجديد الذي ظهر من موسكو هو إعادة التركيز على أن قضايا اللجوء هي «نتائج»، وتصريحات رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، عن المناطق الآمنة لحل قضية اللجوء هي خروج عن إطار أي حل قادم.
عمليا فإن تصريحات بوتين المطولة أمس الأول عن الأزمة السورية تأتي مع الحديث، الإسرائيلي تحديدا، عن تعاون عسكري جديد وغير مسبوق بين موسكو ودمشق، وهذه قضية إضافية أوحت بأن الكرملين بات يملك تدخلا مباشراً في سورية، وهو ما نفاه بوتين من دون أن يلغي احتمالات التعامل المباشر، فالأزمة السورية المركبة وتطوراتها لا تترك مجالا للبحث بعيداً عن الصراع الإقليمي والدولي بشأن سورية، فالتفكير الروسي يذهب باتجاهين:
– الأول التنافس الإقليمي العنيف داخل الملف السوري، وهو ما يجعل إمكانيات الحلول مرهونة بوجود حد أدنى من التوافق؛ الأمر الذي يدفع نحو إطلاق مسارات متعددة لا تقتصر فقط على أولوية محاربة الإرهاب، بل تنطلق نحو نظام الأمن الإقليمي والمسار السياسي المرافق، وكان واضحاً من كلام بوتين بهذا الخصوص استعداد دمشق للمسار السياسي؛ ما يعني أن التوافقات الأولية بشأن الحل السياسي يمكن أن تنطلق قبل جنيف3، ويصبح إطار الحل جاهزا ليكتسب الشرعية في مؤتمر دولي.
– الثاني طبيعة الاختبار الإقليمي في مسألة محاربة الإرهاب، فالمعضلة الأساسية هنا هي ضرورة توافر جهود دولية وإقليمية ولكن من دون المساس بسيادة الدول، وهو شأن يبدو على درجة من الحساسية يجعل من شرعية الحكومات «هشة» إذا لم يتم تحديد «إطار سياسي» لمحاربة الإرهاب، فما يحدث على مستوى شرقي المتوسط لم يعد قضية محلية، وانتشال المنطقة من الإرهاب والدمار يعتمد بالدرجة الأولى على توازن إقليمي ودولي يصون السيادة.
السيناريو الروسي للحل مفتوح على المستوى الداخلي، فليس هناك ترتيبات نهائية بل التزام بقواعد السيادة التي تلزم جميع الأطراف بالحفاظ على الشرعية القائمة، واعتماد الشراكة السياسية لإجراء ترتيبات الحلول النهائية، ولكن على المستوى الخارجي فطروحات موسكو مغلقة وصارمة، فالحرب على الإرهاب على الأرض السورية أو العراقية مرهونة باتفاقات دولية بالدرجة الأولى، وبالتالي فالتحالفات خارج الأمم المتحدة لا تملك شرعية أي عمل عسكري، وبغض النظر عن قدرة الترتيبات الروسية في فرض نفسها، لكنها تحاول إيجاد توازن قبل البدء برسم ملامح شرقي المتوسط ككل.
ربما نشهد اليوم نقطة التحول في الأزمة السورية باتجاه «الإطار الإنساني»؛ وذلك برغبة تركية بالدرجة الأولى من أجل الضغط لخلق مناطق آمنة، ولكن حركة اللجوء التي تبدو غير مسبوقة، إعلاميا على الأقل، لا يمكنها إسناد الحل باتجاه واحد وتحويل الصراع القائم نحو ترتيبات «إنسانية»، فتفاقم الأزمة اليوم يبدو في النهاية سيناريو جديداً يتم استهلاكه بشكل سريع على حساب البحث عن حلول سياسية على المستوى الداخلي السوري، وعلى مستوى الإرهاب إقليميا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن