ثقافة وفن

الشعر الفصيح يستهوي شباب العصرنة والتكنولوجيا … ثاني جزئية… وما زالت الموسيقا تُطوّع القصيدة وتليّن الحرف ليندمج إحساساً بالمغنى

| سوسن صيداوي

العربية… لغة، وهي أمة، بل أيضاً هي جذر عميق متأصل، وبالتالي… لغتنا العربية هي الحضارة. إن شعرنا الفصيح واجه التحديات والتغييرات والتطورات -منذ الجاهلية وكل الفتوحات- ولكنه بقي الحرف الثابت والرصين، ضمن كلمته معبّراً عن كلّ الشجون والعواطف الممزوجة بحسن الكلام، وحتى اليوم نجد فصاحتنا الشعرية مبجّلة من الأبناء الشباب، فالعصرنة والميديا والتقلبات السريعة العاصفة، حتى بالنوتات الموسيقية… أجل على الرغم منها كلّها وأكثر، إلا أن الشباب يصغي للشعر، ويستهوي مثلاً كلاً من جلال الدين الرومي والحلّاج، حتى إنهم يوغلون في الجاهلية إلى الحداثة، واضعين سمّاعات الأذن «الهدفون»، هازين الرؤوس متابعين سير الإيقاع لموسيقا البوب وغيرها مما أرسل لنا الغرب. هذا عدا مساعي النجوم للحصول على الأغاني الأكثر استماعاً وانتشاراً، وهو ما يهم شركات الإنتاج، لهذا يغوص البحث عميقاً في صفحات الشعر القديم، لاختيار كلام الأغنيات- وكأنّ الشعر العامي أو المحكي في كلامه أصبح مكرراً ومستهلكاً- من قصائد لـ: الحسين بن منصور الحلّاج، أبي تمام، البحتري، المتنبي، امرئ القيس وغيرهم، ليحولوها إلى أغنيات مسموعة وحيّة إلى وقت طويل، هذا إضافة للتجارب المستمرة لغناء أشعار نزار قباني كما يفعل كاظم الساهر وماجدة الرومي، أو قصائد محمود درويش كما فعل مارسيل خليفة وأميمة الخليل وسميح شقير. ما زلنا متابعين في الجزئية الثانية من الشعر الفصيح ونستمر بقائمة من العمالقة إلى الجيل الشاب من المغنين، مما قدموه ونال استحسان الجماهير المصغية.

أعطني الناي وغنّ

«لا.. نحن نتحدث عن الأصوات التي في الأرض.. وليست تلك الأصوات القادمة من السماء». هذا كان جواب الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما سُئل عن صوت السيدة فيروز، التي لطالما تمتعت بروح البساطة والسلاسة البعيدة عن أي تعقيد في غنائها للأغاني العاميّة، وبالتالي هذه الروح نفسها والأسلوب ذاته لم يختلفا في تأديتها لأغاني القصائد الفصحى، التي عبَرت خلالها واستحوذت قلوب كل المستمعين على اختلاف أعمارهم وتنوع مستويات ثقافتهم. ومن القائمة الطويلة- التي فيها الكثير من الموشحات والأندلسيات- نذكر: «زهرة المدائن» كتبها وقام بتلحينها الرحابنة، «أعطني الناي وغنّ» المنتقاة من قصيدة المواكب لجبران خليل جبران ولحنها الملحن نجيب حنكش، وأغنية «سكن الليل» من أشعار جبران أيضاً وألحان محمد عبد الوهاب. «سنرجع يوماً» من كلمات الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد وألحان الرحابنة. قصيدة «أهواك بلا أمل» من ألحان وكلمات زكي ناصيف. «يا عاقد الحاجبين» وأغنية «يبكي ويضحك» من شعر الأخطل الصغير وألحان الرحابنة. وأيضاً ضمت السيدة فيروز لقائمتها من أشعار سعيد عقل منها: «مرّ بي»، «غنيت مكة»، «سائلي يا شآم» و«يا شام عاد الصيف»، «خذني بعينيك»، «سائليني»، «شام يا ذا السيف»، و«قرأت مجدك». حتى إنها غنت من قصائد الشاعر نزار قباني ومنها: قصيدة «وشاية»، « موال دمشقي» وأخيراً «لا تسألوني ما اسمه حبيبي».

أنت الحبيب
عندما طرق صوت مطربة الأجيال ميادة حناوي مسامع العمالقة الكبار، جعل الدموع تخرج فاضحة، واعتبر النقّاد أن أبرز ما يميّز صوت الحناوي إضافة إلى كم الحزن العميق فيه، هناك الشجن الذي يخرج عبر إحساسها في الأداء، هو الشجن نفسه الذي نستذكره في أداء ناظم الغزالي ومحمد البكار وأسمهان وفريد الأطرش.
ميادة الحناوي شاهدة وحاضرة في زمن العمالقة الأصيل، ومن خلال حنجرتها الفريدة وصوتها الموهوب، مع قدرتها وتمكّنها من اللغة العربية وسلامة مخارج الحروف لديها، أجادت غناء القصيدة الفصحى، على غرار قصيدة «ثورة الشوق» من ألحان سيد مكاوي، وقصيدة «دعوة للحب» لحن بليغ حمدي، وموشح «أنت الحبيب» لحن محمد الموجي.

عيناك ليال صيفية
في الحديث عن القصيدة الفصحى المغناة دائماً يرد اسم الفنانة ماجدة الرومي، التي تتمسك بشدة بهذا النوع من الغناء وكانت السباقة من أبناء جيلها في تقديمه، معتبرة لهذه الأغاني قيمة فنية خاصة ترفض التنازل عنها، ومن البدايات تكون القائمة الطويلة، مع أولى القصائد التي غنتها وهي «اليوم عاد حبيبي» من ألحان أبيها حليم الرومي وأشعار عبد الجليل وهبي. ونتابع مع أبرز القصائد من خلال تعاونها مع الشاعر نزار قباني في: «بيروت ست الدنيا»، «كلمات»، «الجريدة»، «أحبك جداً»، «طوق الياسمين». كما تعاملت مع الشاعرة سعاد الصباح عبر قصيدة «كن صديقي». و«اعتزلت الغرام» وهي من كلمات ماجدة الرومي نفسها بالتعاون مع الشاعر نزار فرنسيس ومن ألحان ملحم بركات. وأغنية «عيناك ليالٍ صيفية» وهي من أنجح أغانيها، من كلمات الشاعر أنور سلمان، وألحان الموسيقار جمال سلامة. وأيضاً «آدم وحنان» هي أغنية فيلم «الآخر» الذي عرض عام 1999، للمخرج العالمي يوسف شاهين، والقصيدة من كلمات الشاعر جمال بخيتو ألحان فاروق الشرنوبي. ولابد لنا من أن نذكر أغنية «حبيبي» التي أهدتها الفنانة الرومي للفنان أحمد زكي، وهي من كلمات نهى نجم ونزار فرنسيس، وألحان أداجيو ألبينوني. وأيضاً نذكر«أشتاق إليك» كلمات الناصر، وألحان الدكتور عبد الرب إدريس، وأخيراً «طلي بالأبيض» التي غنتها الفنانة في حفل زفاف ابنتها، محققة الأغنية انتشاراً واسعاً في حفلات الزفاف، وهي من كلمات نهى نجم، وألحان مندلسون وجان ماري رياشي.

زيديني عشقاً
تمكّن الفنان كاظم الساهر من خلال صوته ورقة ألحانه من أن يبدع مع الشاعر نزار قباني، الذي ارتبط اسم الساهر به، في تعاون امتد في العديد من القصائد أشهرها: «إني خيرتك فاختاري» والتي غنّاها من دون علم قباني، الأخير الذي تجاوز الأمر بسبب النجاح الذي حققه تلحين القصيدة وغناؤها. «أشهد أن لا امرأة»، «زيديني عشقاً»، «قولي أحبك»، «مدرسة الحب»، «كل عام وأنت حبيبتي»، «صباحك سكر»، «إلى تلميذة»، «هل عندك شك»، «الحب المستحيل»، و«قولي أحبك» وغيرها الكثير من القصائد. وأيضاً من القصائد المشهورة التي غناها الساهر لشعراء آخرين، مثل أغنية «كثر الحديث» وهي قصيدة للشاعر كريم العراقي، و«تارك أهل» للشاعر عزيز الرسام، وقصيدة «بغداد لا تتألمي» للشاعر فاروق جويدة.

تلومني الدنيا
من جانبها الفنانة لطيفة التونسية، جذبتها القصيدة الفصيحة وحذت حذو نجوم الغناء العربي، مقدمة لنا أكثر من قصيدة للشاعر نزار قباني، كما لحنها الفنان كاظم الساهر، وهي: «يا قدس»، «تلومني الدنيا»، «العاشقين».

أحبائي
في الأغنية الوطنية، برعت المطربة اللبنانية جوليا بطرس بها مع إجادتها للقصيدة الفصحى، ونذكر لكم هنا قصيدة «أحبائي» للملحن زياد بطرس، وهذه الأغنية كانت قدمتها بطرس عام 2006، مستلهمة كلماتها من خطاب الأمين العام لحزب اللـه السيد حسن نصر الله، و«أحبائي» لاقت رواجاً كبيراً في الشارع اللبناني، بل انتشرت من المحلية إلى العالم العربي. وأيضاً من القصائد الفصحى التي غنتها جوليا وهي أيضاً وطنيّة، أغنية «أطلق نيرانك» وهي من كلام نبيل أبو عبدو، التي تتمتع بحسّ مقاوم ضد الاحتلال، مع التمسك بالقضية الفلسطينية على غرار قصيدة «حاصِرْ حصارك» للشاعر محمود درويش التي غنتها السيدة ماجدة الرومي.

أجراس العودة
في الحديث عن الالتزام باللغة العربية الفصحى، وفي إجادتها وتقديمها عبر الشعر الفصيح المغنّى، لا يجوز لنا إهمال قامة فنية عريقة، ملتزمة بالعروبة والفن الأصيل، لطفي بوشناق الذي غنى العديد من الشعراء القدماء منهم على سبيل الذكر، عمر بن الفارض حيث غنى قصيدته المشهورة «تواضعت ذُلا». كما غنى قصيدة «أجراس العودة» التي ألف كلماتها الشاعر السوري عماد الدين طه ومنها نقدم لكم:
أجراسُ العودةِ إن قُرِعَتْ
أو لمْ تُقْرَعْ فلِمَ العجلةْ؟
لو جئنا نقرعها حالاً
كانتْ «دُمْ تكُ» كالطبلةْ
فالعُرْبُ بأخطرِ مرحلةٍ
وجميع حروفِهمُ عِلّةْ
أغرتهم كثرتهمْ لكنْ
وبرغمِ جموعِهُمُ قِلَّةْ
وبوادي النّملِ إذا عَبَروا
سَتموتُ مِنَ الضحكِ النّملةْ

المحكمة
قدمت الفنانة أسماء المنور قصيدة «المحكمة» في ديو مع كاظم الساهر، معتبرة أن غناءها باللغة العربية الفصحى تجربة مميزة تتمنى تكرارها باستمرار، لأنها تطمح إلى تقديم فن هادف.

المتنبي… مسافراً أبداً
في التعريف بالعنوان أعلاه «المتنبي…مسافراً أبداً»، هو عمل موسيقي يستلهم سيرة وشعر الشاعر أبي الطيب المتنبي، يُغنى فيه شعر المتنبي بلغات عالمية، مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ليكون بذلك احتفاء عالمياً بالمتنبي، من غناء: عبير نعمة، وألحان: عبير نعمة، جورج نعمة، وسام كيروز.

عربي أنا
اعتمد الفنان يوري مرقدي الفصحى في أغاني أول ألبومين أصدرهما، وما استغربه منه الجمهور والنقاد، بأنّ التزامه بالعربية الفصحى لم يكن لمجرد الاختلاف، بل لأنها اللغة التي خرجت بها مشاعره من تلقاء نفسها، رغم ثقافته الأجنبية وأنه كان سيئاً في دراسة اللغة العربية، حتى إنّ خبراته السابقة في الغناء والموسيقا كانت ذات نزعة غربية، فقلد أسس فرقة تعزف الروك مع المغنية اللبنانية كارول سماحة زميلته في الجامعة. ومن الأغنيات التي عرف بها نذكر لكم: «عربيٌّ أنا»، «ماذا أقول لأذني»، «خطيرةٌ أنتِ»، «حبس النساء»، «أخي آدم»، «معلمة الكيمياء».

قلبي علينا
لا يمكننا أن نغفل التجارب التي قدمها الموسيقي إياد ريماوي، سواء من خلال الموسيقا التصويرية في مسلسل الندم لمخرجه الليث حجو، عبر أغنية «قلبي علينا» شعر عدنان العودة وشاركت الريماوي في الغناء: كارمن توكمه جي. هذا ولا يمكننا أن نغفل أيضاً ما قدّمه لنا عبر ما أطلق عليه تسمية «مشروع غرفة تسجيل» حيث أصدر ريماوي «معشر العشاق» شعر الأصمعي، من ألحان إياد ريماوي وشاركته الغناء كارمن توكمه جي، وأغنية «عجبت منك» شعر الحلاج، ألحان وتوزيع إياد الريماوي، وغناء ربى الحلبي.

أحب يديك
أصدرت فايا يونان أول عمل غنائي لها «لبلادي» عام 2014 بمشاركة أختها ريحان، تصف الأغنية الدمار الذي سببته الحروب بأوطاننا العربية، حقق العمل نجاحاً منقطع النظير وتمت ترجمته إلى عدة لغات. بعدها تابع المشوار وغنت قصائد معظمها من ألحانها نذكر منها «أحب يديك»، «في الطريق إليك» كلمات مهدي منصور، وقصيدة علي بن الجهم «أبلغ عزيزاً في ثنايا القلب منزله»، وأيضا «تزنّر بعطري تزنّر وحارب بعطري» كلمات لما القيّم، وأخيراً «نم يا حبيبي نم» كلمات الشاعر موفق نادر ألحان وتوزيع مهند نصر.

موطني
غناء القصيدة الفصيحة هو فخ يقع به الفنان غير المتمرّس أو المدرك لأهمية وصعوبة أداء لغتنا، من خلال لفظ مخارج الحروف، الأخيرة المتميزة بحضورها وقوتها التي لا تحتمل أي نوع من الدلع أو التخفيف من لفظ الحرف، وهذا الأمر لم تحسبه الفنانة إليسا عندما سعت بتجربة فاشلة بأن تقدم أغنية «موطني»، حيث واجهت الانتقادات الشديدة بسبب استخدامها لحرف التاء لتنطق الكلمة بـ«موتني».

إذا هجرت
على حين تميّزت الصاعدة نينا عبد الملك عدا أسلوبها وصوتها المطواع، أيضاً في اختيارها وأدائها لقصيدة «إذا هجرت» للشاعر العباسي الصوفي أبي عبد اللـه الحسين بن منصور، المعروف بـ«الحلاج»، وتمكنت من تقديمها بطريقة عصرية على إيقاع موسيقا البوب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن