ثقافة وفن

موقف مبدئي..

د. اسكندر لوقا : 

في ختام الاحتفالية، في دار الأوبرا، بمئوية المجازر التي تعرض لها السريان على يد العثمانيين وراح ضحيتها زهاء خمسمئة ألف من السريان، أكد غبطة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني أنهم «العصابات المسلحة» لن يقتلوا حب الحياة في داخلنا فالحياة أقوى من شرهم. وأضاف غبطته أن العروض الفنية والأفلام الوثائقية رد على إرهابهم. وبمعنى ما أراد غبطته توضيح أهمية الثقافة والفن في سياق الرد على سياسة الهمجية التي تجسدت ولا تزال تتجسد على أيدي برابرة العصر بعدما طوت عقود عديدة تاريخ أمثال هذه الهمجية التي سبق أن جسدتها حملات الغزو الوحشي لبلادنا وصولا إلى الغزوة العثمانية منذ أن وطأت قدم السلطان سليم الأول أرض مدينة حلب في السادس من شهر أيلول عام 1516، حيث خُطب له في جوامعها باسم خادم الحرمين الشريفين وحتى اندحار قواته في العام 1918 أمام صمود أبناء شعبنا وعزمهم على تحرير الأرض من رجس محتليها بقوة السلاح.
وفي قول غبطة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني عن مكانة الفن والأدب يرد معنى تحصين أبناء وطننا بما هو أقوى من السلاح بمختلف أشكاله ومنابعه وذلك من منطلق الإيمان بأن الكلمة تصنع الإنسان المثقف صديق الحياة لا الإنسان الذي يتربى على حب السلاح لمجرد الحب واستخدامه وسيلة لقتل الإنسان في داخل حامله قبل قتل الإنسان في الآخر. وفي قول غبطته على هذا النحو يزداد شعور المرء بأهمية التزام الموقف المبدئي الذي يدل على ارتباط المواطن بوطنه على الرغم مما قد يلحق به من أذى وما يعانيه من آلام على درب تخطيه مرحلة صعبة كما هو حال المواطن في سورية اليوم ومعاناته من تداعيات العدوان على بلده تحت عدة مسميات مختلفة هدفها تدمير كل ما تطوله أيدي حملة معاول التخريب المتدفقين إلى سورية من أقاصي الأرض طلباً لمغنم هنا أوهناك أو أملاً بلقاء حورية أحلامه على موعد في جنته الوهمية.
إن دور الفن والأدب والثقافة عموماً في تحصين عقل الإنسان، من الأهمية بمكان، وفي الرسالة التي تؤديها دار الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون، على مدار الشهر أمتع وأقوى رد على الجانب الذي يؤمن بأن الإنسان يمكن أن يحقق انتصاراً لذاته أو لمن يستخدمه ويشجعه على حمل السلاح بديلاً من حمل القلم والريشة والآلة الموسيقية وسوى ذلك من وسائل أعدت لتكون مصدر سعادة وفرح الإنسان.
أيضاً في هذا السياق نقرأ للكاتب والروائي والشاعر والفيلسوف الفرنسي أندريه بريتون [1896- 1966] قوله: إن كلامنا يمتلك موسيقا ترافقه في داخله وإذا ما كان الآخرون يسمعونها أيضاً فذلك سيكون مدعاة لفرحنا.
فهل يمكن لمن يرافقه صوت السلاح في داخله أن يستمع إلى صوت الموسيقا؟ أعتقد عبثاً يمكنه أن يفعل ذلك بعد أن يكون سمعه قد تلطخ بأصداء أصوات الرصاص واختار المضي في طريق الجريمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن