قضايا وآراء

السلطان أردوغان والرجل العثماني المريض

د. قحطان السيوفي : 

استوقفني ما ورد في صحيفة فاينانشال تايمز (الرئيس رجب أردوغان المغرور، والمحبط من الانتخابات البرلمانية… يقبع اليوم في قصره العثماني الجديد… ويحكم بعقلية السلطان العثماني ونزوانه… وكأنه يجسد مقولة منسوبة إلى الملك الفرنسي لويس الخامس عشر: أنا ومن بعدي الطوفان) في سياق تاريخي أيضاً؛ فإن المشهد السياسي والاقتصادي، الداخلي والخارجي لتركيا في ظل حكم أردوغان المتسم بعدم الاستقرار والضعف والإرباك… يذكرنا بحالة الإمبراطورية العثمانية التركية في بداية القرن العشرين حيث كانت في حالة من الوهن… وأطلق عليها اسم (الرجل المريض) الواقع أن تركيا اليوم ضحية، ورهينة لطموحات دانكيشوتية لرجل متسلط يحاول تقمص شخصية السلطان العثماني الجديد (رجب أردوغان) الذي سعى إلى اختطاف الدولة التركية… إلى أن قرر الشعب التركي، في الانتخابات البرلمانية الرابعة، انتزاع الأغلبية من حزب أردوغان العدالة والتنمية… حيث قال هذا الشعب (لا) لحكم الرجل الواحد الذي حاول اختطاف السلطة من البرلمان، ومجلس الوزراء، ومن السلطة القضائية. وكانت طموحاته الجامحة تهدف إلى الفوز بأغلبية برلمانية كبيرة بهدف إعادة صياغة الدستور لإرضاء غروره والقبض على السلطة المطلقة. منذ الانتفاضة الشعبية التركية في حديقة (جيزي) عام 2013 على حكم أردوغان، أصيب هذا الأخير بعقدة مؤامرة تحاك للإطاحة به، ويعيش هوس الخوف من المساءلة القانونية مستقبلاً. لذلك عمل أردوغان على (طمس سيادة القانون) كما ورد في الفاينانشال تايمز… بطرد ضباط الشرطة، والقضاة، أو إقصائهم، وقمع المعارضة، وإقالة مئات الصحفيين… وملاحقة الآلاف من المواطنين الأتراك المعارضين… وسبق أن قام أردوغان وحكومته ولا يزال بتشجيع وتسهيل مرور عشرات الآلاف من الإرهابيين المرتزقة إلى سورية عبر الحدود التركية وأمنت حكومة أردوغان خطوط الإمداد للسلاح والمال لهؤلاء الإرهابيين… ولا يزال أردوغان المحبط يعيش هوس وهم إسقاط الدولة السورية… نتيجة لفشل أردوغان وحزبه في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب المعارضة الرئيسي (حرب الشعب الجمهوري)… بسبب تمسك أردوغان وحزبه بعدم تقاسم السلطة مع أحد… فقد أصيب أردوغان بالإحباط … وقرر إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. أردوغان الخاسر للأغلبية البرلمانية يحاول اليوم كسب أصوات القوميين الأتراك في الانتخابات المقبلة، بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني… ويحاول انتزاع الأصوات المؤيدة لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، لدرجة أنه وصف أعضاء هذا الحزب بـ(ذئاب انفصالية في ثياب حملان). تركيا أردوغان اليوم أوصلتها سياسة حكومة هذا الأخير إلى حالة الرجل العثماني المريض … فتركيا الأردوغانية مهددة حالياً بحدودها الجنوبية من تنظيم داعش الإرهابي؛ وهذا الأخير طالما حظي بدعم مباشر من حكومة أردوغان قبل أن يبدأ هذا التنظيم الإرهابي أول هجماته الدموية داخل تركيا… ونتيجة لسياسة أردوغان الطائشة هناك تهديد كبير في جنوب شرق تركيا من المنظمات الكردية… وهناك خسائر بشرية يومية في صفوف الجيش التركي، ناهيك عن المعارضة الوطنية الداخلية المتصاعدة… بالمقابل هناك اقتصاد تركي راكد… وعملة تركية ضعيفة… وسط حالة ضبابية من عدم اليقين في الأسواق… المراقبون، واستطلاعات الرأي… يجمعون على أن تكتيكات أردوغان الداخلية والخارجية لن تكون مجدية… كما يؤكد المحللون أن نظام المناعة في تركيا يتدهور بشكل كبير، في وقت يمحو فيه حزب أردوغان العدالة والتنمية كل مظهر أو أثر للباقة والكياسة السياسية… مع تعرض المنشآت والمرافق، والجيش التركي لتفجيرات، وهجمات… ما يشير إلى أن تنظيم داعش الإرهابي (الحليف السابق لأردوغان) أصبح داخل تركيا… ومع الاضطرابات الكردية مجدداً… ومع تأزم وضعف الاقتصاد… فإن الشعب التركي أصبح مدركاً لمناورات وألاعيب أردوغان، ومع رمية أردوغان الأخيرة لحجر النرد (الانتخابات البرلمانية المبكرة)… فإن الأتراك بدؤوا يدركون أن مشكلة تركيا الأساسية هي أردوغان المغرور المحبط… الذي أوصل بلادهم إلى وضع ضعيف، ومثقل بالمشاكل المعقدة… مماثل لحالة الدولة العثمانية، في بدايات القرن العشرين، التي أطلق عليها، يومها، اسم الرجل المريض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن