سورية

بانتظار تحركات قانونية جدية في المحافل الدولية ضد المفبركين … نجاح الإعلام المقاوم في سورية.. تجربة قابلة للتعميم دولياً

| سامر ضاحي

تقول الصحفية البريطانية الناشطة في سورية فانيسا بيلي: «إن دورنا كمراسلين مستقلين للحرب أو الصحفيين الاستقصائيين هو كشف الأكاذيب التي تنتجها وسائل الإعلام الغربية»، على حين تؤكد مديرة مكتب قناة «الميادين» في دمشق ديمة ناصيف أن الحرب السورية كانت «معقدة في جبهاتها والأطراف المتداخلة فيها، وهذا استدعى «جهداً مضاعفاً» من أجل مواجهة عشرات وسائل الإعلام التي تريد أن تحتكر الصورة والرواية وأن تقدمها «من وجهة نظر وحيدة تتناسب مع المعايير السياسية للدول التي تمثلها».
وتضيف بيلي في تصريح لـ«الوطن»: أن وسائل الإعلام الغربية تدعم الحرب وتمنع الحل السلمي للقضايا الداخلية السورية»، وتنيط بالمراسلين مهمة «تقديم تقارير تستند إلى الحقائق» معارضة لتلك التقارير المقدمة من وسائل الإعلام الغربية حالياً».
بيلي شاركت مؤخراً كمحاورة مع الإعلامي رفيق لطف في فيلمه «الفيتو» الذي يستعرض فيه تفاصيل بعض الفبركات الإعلامية التي عرضت على وسائل إعلام عالمية مثل «سي إن إن» الأميركية و«الجزيرة» القطرية وغيرهما. وتقوم فكرة الفيلم وفق ما يقول لطف لـ«الوطن» على فضح ما يسمى «البامبيوزر» وهو موقع في أوروبا، قدمته فرنسا، بالتنسيق مع بريطانيا حيث أوجدوه من أجل ما يسمى «الربيع العربي» لكن تم استغلاله بشكل أساسي في سورية.
ويوضح لطف أن «البامبيوزر» مرتبط بالأقمار الصناعية ويعمل مكان (SNG) في البث التلفزيوني حيث ينقل المادة إلى القنوات الفضائية، وهو مرتبط بالأقمار الصناعية العسكرية والمدنية لأميركا حيث كان يتم توجيه التغطية لمكان وجود المراسل خلال فترة البث فقط.
ووفق لطف تم عرض الفيلم في الأمم المتحدة بحضور سفراء روسيا والصين وإيران وإعلاميين، وطلب المندوب الروسي في الأمم المتحدة توزيعه على الإعلام الروسي، كما تم عرضه في أوسلو، وسبق أن عرضته أيضاً قناتا «كيو بي تي في» و«إن بي تي في» الأميركيتين، ومؤخراً عرض في عدة محافظات في سورية.
وتمت الاستفادة في الفيلم من تصريحات للمستشارة الإعلامية والسياسية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان ومندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري حول دور الإعلام الغربي في تشويه الحقائق وفبركتها في سورية، ويؤكد لطف أن أي مادة موضوعية ويجري إعدادها بحرفية يمكن تقديمها لكل من شعبان والجعفري «وهما يتولان دعمها».
ويتحدث الفيلم عن تفاصيل عملية الفبركة التي كانت تحصل من قبل مراسلي «سي إن إن» داني عبد الدايم وأروى دايمون ومذيع القناة أندرسون كوبر في أحداث حي بابا عمرو في حمص، ومراسل «الجزيرة» خالد أبو صلاح في مناطق أخرى، وجرائم ما يسمى «الخوذ البيضاء».
تقول بيلي: إن وسائل الإعلام الأجنبية، هي العمود الخامس في أجهزة الدولة والمخابرات الخاصة بهم، وبدلاً من التحدث عن الحقيقة إلى السلطة، فإنها توفر غطاء للسلطة (في الغرب) على حين تخفي المعلومات الحيوية عن الجمهور وتضلله بما يمكّن من ارتكاب جرائم الدولة الدولية ضد الشعب السوري وبموافقة الجمهور.
وتؤكد بيلي أن وسائل الإعلام الغربية، حققت «موافقة مصطنعة» على تدخل تحالف الإرهاب الأميركي في سورية، والإرهاب الاقتصادي، من خلال العقوبات التي تعاقب الشعب السوري جماعياً لمقاومته المشروع الإمبريالي ودعمه لرئيسهم (بشار الأسد) ودولتهم العلمانية وجيشهم العربي السوري.
وتعتبر بيلي أن «الفيتو» في المقابل يكرم حلفاء سورية، خاصة روسيا والصين الذين تجنبوا الكارثة من خلال استخدام (حق النقض) «الفيتو» في مجلس الأمن في عدد من المناسبات، ويكرم أيضاً إيران التي دافعت بثبات عن سيادة سورية وسلامة أراضيها.
مراسل قناة العالم الإيرانية اللبناني حسين مرتضى يشير إلى دور الإعلام الحليف فيرد على تساؤل «الوطن» على هامش توقيعه كتابه «دروس من الحروب النفسية في سورية» في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق ويقول: في هذه الحرب لا يوجد فرق بين القنوات السورية والقنوات الحليفة لسورية، فالحرب كانت تطالنا جميعاً وكانت ستتمدد إلى دول المنطقة مثل لبنان والعراق وإيران والهدف كان أكبر من سورية».
ولم تخرج ناصيف عن هذا السياق فترى في تصريح لـ«الوطن» أيضاً أنه «تمت معاقبة الإعلام السوري مبكراً بحرمانه من الوجود على الأقمار العربية أو الغربية وهو ما حرمه من حجم مشاهدة كبيرة جداً وطبعاً كان الهدف ألا يكون هناك سردية للأحداث في سورية إلا من وجهة نظر الدول التي دعمت المجموعات المسلحة والحرب على سورية». وتضيف ناصيف: «من هنا كان من الضرورة بمكان أن يكون هناك إعلام غير سوري قادر على الوجود على الأرض ونقل الصورة التي تسعى دول غربية وعربية لمنع ظهورها».
ورغم انضمام لطف في حديثه إلى منتقدي الإعلام المحلي بسبب ما سماه «عدم امتلاك القدرة على تقديم ما يمكن عرضه للعالم أو صناعة فيلم يخاطب فيه الغرب بلغته» إلا أنه عاد وأكد أن من يمتلك هذه المقدرة بإمكانه عرض فيلمه على شعبان والجعفري وهما لا يقصران في دعم هكذا أعمال، ويوضح أيضاً أن «الفيتو» كلفه شخصياً 150 ألف دولار وأنه لم يتلق أي دعم مادي من أحد.
إلا أن مرتضى يبدو أقل اندفاعاً باتجاه مخاطبة الغرب بلغته، ويقول: «من الضروري مخاطبة كل الشعوب بلغاتها وثقافاتها وأعتقد أن هذا الأمر كان موجوداً» لكنه يوضح أن «المعركة كانت أكثر مع شعوبنا، بمعنى توضيح ما يجري على الساحة السورية للشعوب العربية، ومن هنا كان التركيز أكثر على اللغة العربية».
ولا يرى وزير الإعلام عماد سارة خلال كلمة له في حفل توقيع كتاب مرتضى ضيراً في الاتهامات للإعلام المحلي بالخشبيه، إذ يرى: «إذا كانت الخشبية ثمناً للكرامة والسيادة فليستمروا في نعته (للإعلام المحلي)». ومن التهم المكررة أيضاً لسورية أنها لا تمنح تصاريح دخول لإعلاميين محايدين أو تعوق عملهم إلا أن هذا ما نفته مراراً الحكومة السورية حتى إن سارة قال في تصريح لـ«الوطن»: إن الوزارة «منحت سمات دخول إلى 220 وسيلة إعلامية غير سورية العام الماضي».
ويؤكد سارة أن مديرية «الإعلام الخارجي» في وزارته مسؤولة عن مرافقة الفرق الإعلامية بعد حصول الأخيرة على سمات دخول وتقدم لها «كافة التسهيلات الممكنة إضافة إلى الترجمة»، إلا أن «الفرق الإعلامية التي تدخل بشكل مخالف للقانون فلا علاقة لنا بها ولا يمكن تحميلنا أي مسؤولية في حال تعرضت لأي مكروه» وفق سارة.
ويؤكد سارة أن شرط الوزارة الوحيد لإدخال الفرق الإعلامية الغربية هو «الموضوعية والحياد» و«إننا في سورية لا نطالب أي إعلام في العالم أن يكون معنا».
وفيما إذا كان الحصول على موافقات شكل ضغوطاً على العمل في مرحلة من المراحل، ترى ناصيف أن هذا «أمر شائك ومعقد نسبياً، فلا الصحفي قادر على التنازل عن أنانيته في العمل والسرعة للتغطية وبث الأخبار وانتظار الموافقات التي قد تأتي بعد انتهاء الحدث، ولا الجهات المسؤولة استطاعت إيجاد آلية ترضي الجميع أو تراعي تفاوت أهمية الحدث السوري بالنسبة لبعض القنوات العاملة في سورية وإفرادها حيزاً من نشراتها وتغطياتها له».
وفي الخارج يتعرض المراسلون الذين عملوا في سورية بموضوعية لضغوط في بلدانهم وتوضح بيلي: «تم استخدام مكارثية جديدة (المكارثية هي الاتهام من دون أدلة) لمهاجمة أي شخص يتحدى سياسة حكومات الغرب الخارجية أو يواجه الأكاذيب التي استخدموها» وتضيف: غالباً ما تعرضت محادثاتي ومؤتمراتي في المملكة المتحدة لهجمات جسدية من قبل عناصر من المؤيدين الطائفيين والمتطرفين للغزو الإرهابي المسلح والمموّل من الخارج لسورية..
في المقابل ترى ناصيف أن الصحفيين الأجانب الذين جاؤوا إلى سورية «لم يتمكنوا من تحقيق ضغط (في مقابل الإعلام المفبرك) أو امتلاك قدرة على تغيير وجهة نظر الغرب أو سياسييه على الأقل».
وتعتبر أن «الهواجس انتابت الغرب من خطورة ما يحدث في سورية فقط عندما انتقل الإرهاب إلى ساحات باريس وبروكسل (..) وليس لأنهم قد اقتنعوا بخطورة ما قامت به حكوماتهم من دعم وتمويل وتبن لما قامت به هذه المجموعات في سورية».
اللافت أنه رغم كل الحديث عن الفبركات هو شبه غياب للعمل القضائي المنظم برفع دعاوى ضد الوسائل الإعلامية التي تآمرت على سورية.
عضو مجلس الشعب وأستاذ القانون الدولي بجامعة دمشق محمد خير العكام أكد لـ«الوطن» ضرورة العودة إلى قانون الإعلام في سورية أو في أي دولة نريد رفع دعوى أمامها، بحق وسيلة إعلامية، لكن علينا أولاً توصيف الاتهام وفق هذه القوانين. بينما يوضح لطف أنه اجتمع برئيس محكمة الإرهاب وأخذوا منه الفيلم (الفيتو) لاعتباره وثيقة للاستفادة منها كدليل للادعاء، لكن المحكمة لم تعلن عن رفع دعاوى بعد!. وسبق أن رفع محامون سوريون دعوى قضائية ضد قناة «الجزيرة» بسبب ما فبركته في بداية الأزمة، إلا أن مصدراً في نقابة المحامين أكد أن الدعوى لم يحصل فيها شيء.!
ولعل اليوم الهجمة الإعلامية على سورية باتت معولمة ومتشعبة فبيلي تقول: شهدنا رقابة متزايدة على «فيسبوك» مع إزالة وسائل الإعلام المستقلة من المنصة، كما يستخدم «تويتر» الرقابة أيضاً – وغالباً ما يحجب تغريدات الصحفيين المستقلين أو يزيل العناصر «المزعجة» من المنصة. وتضيف «ستتدخل Google أيضاً للرقابة أو استبعاد المعلومات غير المناسبة (لهم)».
أما السفير الفنزويلي بدمشق خوسيه غريغوريو بيومورجي موساتيس فيؤكد لـ«الوطن» أن الإعلام الأميركي والغربي الذي تآمر على سورية هو نفسه يتآمر اليوم ضد فنزويلا.
ويشير في تصريحه إلى أن بلاده تعمل على التعاون مع سورية للاستفادة من خبرتها في التعامل الإعلامي خلال الأزمة، مؤكداً أنه «اجتمع مع وزير الإعلام وهناك أمور تجري في هذا الإطار ونأمل في أن تتم على أكمل وجه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن