قضايا وآراء

الحِراك الدبلوماسي الروسي الواسع

صياح عزام : 

من الملاحظ أن روسيا بقيادة الرئيس «فلاديمير بوتين» تقود تحّركاً دبلوماسياً واسعاً لإيجاد حل للأحداث الدائرة في سورية منذ حوالي خمس سنوات تقريباً، تقوده نيابةً عن العالم، محاولة بكل السبل تعبيد طريق الحل السياسي للأزمة السورية الناجمة عن الحرب الإرهابية التي تُخاض ضدها.
وهذا ما يبدو بوضوح من خلال الوفود التي تتقاطر إليها من كل العواصم المعنية أو بالأحرى ذات الصِلة بالأزمة… وعلى ما يظهر، فإن هناك تفويضاً أميركياً لروسيا للقيام بهذا الدور. ومن أجل ضمان النجاح في المساعي الروسية هذه، تسعى موسكو لتظهير حل سياسي توافقي لواحدة من أعقد أزمات المنطقة وأكثرها تشابكاً، معتمدةً على عدة أوراق.
فهي تعمل من جهة على تطوير علاقاتها مع دول عربية وإقليمية بشكل غير مسبوق، وخاصة مع دول خليجية شكلت طرفاً رئيسياً في الأزمة السورية، ولكن ليس على حساب موقفها المبدئي الثابت المؤّيد لسورية منذ بداية الأزمة، ومن جهة أخرى تعمل بصمت وبدأب من دون أن تعير انتباهاً لما يُشاع من بعض أجهزة الإعلام الغربية، والعربية الموالية لهذه الأجهزة، بأن روسيا تبعث إشارات بأنها ستُعدل مواقفها السابقة تجاه السورية، بل هي تؤكد بين الحين والآخر مواقفها السابقة الداعمة للشعب السوري وللحكومة السورية، قاطعة الطريق على مثل هذه الإشاعات المُغرضة.
ومن جهة ثالثة فهي توسّع اتصالاتها بكل الأطراف السورية التي تُسمي نفسها «معارضة» بغية إدماجها في مفاوضات الحل، طبعاً باستثناء (داعش والنصرة) وأمثالهما من التنظيمات المسلحة التي سارت على طريق السلفية الجهادية المتطرفة.
جدير بالذكر أن لقاء «سوتشي» بين وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» وبين المسؤولين الروس أكد قيام روسيا بدور قيادي لتهيئة الظروف المناسبة لعقد (موسكو 3) و(جنيف 3) ووجوب التنسيق مع كل من إيران والسعودية باعتبارهما طرفين مؤثرين في الأزمة السورية.
ولكن روسيا لم تكن تنتظر مثل هذا التأكيد من الجانب الأميركي، لأنها كانت قد قطعت شوطاً كبيراً على طريق تطوير علاقاتها مع السعودية والإمارات العربية ومصر وعمان، حيث أجرى الرئيس الروسي محادثات موسعة مع ثلاثة قادة عرب على هامش معرض «ماكس» للصناعات الدفاعية، والشيء الأهم من ذلك أن القيادة الروسية استقبلت وستستقبل تباعاً مزيداً من الأطياف السورية المعارضة، وقبل هذا كله عملت موسكو على وساطة بين دمشق والرياض.
إذاً، من المتوقع أن يؤدي الحِراك الروسي النشط إلى نتائج إيجابية على خط حلّ الأزمة السورية في قادمات الأيام، وقد أثار هذا الحراك موجة من التفاؤل في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية، فإيران ماضية في العمل على إيجاد حل سياسي، وتقدمت بمبادرة بهذا الشأن، كما اختفت اللغة الخشبية من الخطاب التركي حيال سورية وغابت لهجة الشروط المسبقة التركية مثل الصلاة في المسجد الأموي وإسقاط النظام السوري.
وانتقلت مصر من مرحلة (الصمت والترقب) إلى مرحلة التنسيق الأمني مع سورية وسط ارتياح سوري لذلك، وحديث عن تطورات محتملة في ملف العلاقات السورية المصرية، ولكن على وقع هذا الحراك الروسي النشيط على المسار السوري وما يشيعه من تفاؤل، يمكن القول إن طريق الحل السياسي في سورية لم يصبح سالكاً تماماً بعد، إذ إن أطرافاً عربية ودولية لا تزال تعمل في الخفاء على إطالة أمد الأزمة السورية وتمدّ المجموعات الإرهابية المسلحة بالدعم المتنوع مثل تركيا وقطر والسعودية، بيد أن الحراك الروسي هذا يحمل بين جنباته وفي طيّاته فرصاً للحل لم تتوافر طوال السنوات الخمس السابقة… أما معارضة اسطنبول فما زالت تجتّر خطابها المعروف، مُنتظرةً الأوامر من أنقرة والدوحة والرياض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن