ثقافة وفن

«الأسد وهزيمة حزب العدالة والتنمية في سورية» قراءةً واستطلاعاً … الرئيس الأسد: يريدون التخلص من كل شخص لا يشبههم

مثلت عودة حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بارقة أمل للمسلمين في الإسلام المعتدل الذي يعطي صورة حضارية عن الإسلام في محيط أوروبي، وبعد أن تحولت تركيا على يدي كمال أتاتورك إلى العلمانية، وقد سبقت مجيء العدالة والتنمية محاولات عدة للإسلاميين قادها نجم الدين أربكان، وكلها باءت بالإخفاق، وما إن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة حتى بدأ انفتاحاً على المحيطين العربي والإسلامي، ومن ثم على أوروبا، وقد مدّت الدول العربية يدها إلى الحزب، وكانت سورية من الدول التي حاولت التعاون الصادق مع الحكم الجديد في تركيا.. وما لبث حزب العدالة أن كشف عن وجهه الإخواني المتشدد المعادي لكل توجه آخر.. وكان دعم حزب العدالة والتنمية للحرب التي تستهدف سورية، ثم تحوّل إلى شريك مباشر في العدوان على سورية.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد حاولت تركيا المشاركة في الحركات الانقلابية في مصر وتونس وغيرها من الدول، وبقيت وحيدة لم تجد داعماً لها سوى إمارة قطر.

عمر أودامش صحفي تركي معارض وعلماني، تعرض لكثير من الاضطهاد والسجن ثم غادر تركيا ليعيش في مختلف مناطق سورية، ومع بدء الحرب على سورية بدأ أودامش تدوين رحلاته في المناطق السورية، مع ملاحظة ما قبل وما بعد، وأجرى حوارات عديدة مع المسؤولين السوريين، وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد، لغاية إطلاع القارئ التركي، والقارئ خارج سورية على حقيقة ما يجري، وحين تجمعت له مادة لائقة تصب في خانة الرؤية للحرب على سورية جمع هذه المقالات والدراسات، والحوارات تحت مسمى «الأسد وهزيمة حزب العدالة والتنمية في سورية» وقام بترجمته الخبير باللغة التركية الأستاذ أحمد سليمان الإبراهيم.. ويرى أودامش أن هزيمة حزب العدالة والتنمية للسلطة والحرب ستكون في سورية، وفي نكثه للعهود والمواثيق التي عقدها مع سورية وقياداتها لمصلحة التوجه الإخواني المتشدد الذي خرج من عباءته.
جاء الكتاب في عشرة فصول: لماذا اختيرت سورية كهدف، جوانب سورية المجهولة، مرحلة الإصلاحات في سورية، من الذين تحاربهم سورية، وما دور تركيا، إعادة الصحفي جنيد أونال، ريبورتاجات، انطباعات، اللقاء مع الأسد، سورية في طريقها إلى الحل.
صدر الكتاب عن دار الشرق بدمشق، ووقع في 340 صفحة من القطع الصغير، بتقديم للدكتور نبيل طعمة، الفصول الستة الأولى كتبها المؤلف عن سورية كما رآها، ولعل أهم ما يلفت الانتباه حديثه عن التنوع العرقي والمذهبي والطائفي في سورية، وحديثه عن الفصائل التي تحاربها سورية في هذه الحرب التي شنت عليها، وكان حزب العدالة والتنمية جزءاً منها، وفي تفصيله لمن تحاربهم سورية من مجموعات مسلحة ومتشددة يظهر المؤلف تبعية الحزب لهذه الجماعات المتطرفة التي تخوض حرباً قذرة ضد سورية وبلا هوادة.
وفي مقدمته العلمية للكتاب يقول د. طعمة «أخذ بي إلى كمال أتاتورك مؤسس تركيا العلمانية، الذي هزم الفكر الطوراني المعتمد في فكر الاتحاد والترقي، صاحب المجازر الكبرى بحق الأقليات التي كانت في زمنه: الأرمن والسريان والآشوريون والأكراد والعلويون، وكل من خالف نظامهم الفكري والذي أسس في مؤتمر سالونيك عام 1910، ونفذوا مجازرهم عام 1915 فحزب العدالة والتنمية ينتمي إلى الصيغ ذاتها».
ويذكر المترجم الإبراهيم في مقدمته «يعرف عمر أودامش التنوع الموجود في سورية بشكل جيد وهو في كتابه الذي بين أيدينا يتحدث عن المذاهب والطوائف في سورية ليس لأنه يرى تمييزاً بينها بل لأن حكومة حزب العدالة والتنمية تستخدم هذا التنوع الديني والإثني في سورية في خدمة المؤامرة التي تستهدف سورية».
وأودامش يختم مقدمته بقوله المتفائل «الأمور تتطور لمصلحة الرئيس بشار الأسد ففي الوقت الذي تزداد فيه قوة الرئيس السوري بشار الأسد يوماً بعد يوم وتحشر المجموعات الإرهابية المسلحة في زاوية من زوايا البلد، نجد أن رجب طيب أردوغان يفقد مصداقيته بسرعة كبيرة».
إن ما جاء به أودامش يستحق التوقف بعناية، وخاصة عن التنوع السوري والجماعات التي تحاربها سورية، وتحارب على أرض سورية، ولكنني أقف عند الريبورتاجات واللقاءات التي أجراها والتي تهيأت له ولم تتهيأ لسواه، منها حواره مع الرئيس الأسد، وقد قال فيه الرئيس الأسد من بداية الأزمة، لا، هم لا يهمهم البعث.. هم يريدون التخلص من كل شخص لا يشبههم، هؤلاء الذين تتحدث عنهم هم من أصحاب الأيديولوجيا الظلامية، الأيديولوجيا التكفيرية التي تعتبر كل شخص يعتنق أية عقيدة أخرى غير متطرفة، غير تكفيرية، غير عنفية، تعتمد على القتل والعنف وقطع الرؤوس والتمثيل بالأموات، هم يعتبرون هؤلاء غير مسلمين، وخدمة الإسلام تأتي من خلال القضاء على كل من يخالفونهم».
وفي الكتاب لقاءات مع سماحة الأستاذ الدكتور أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية العربية السورية الذي أضاء الجانب الديني والعقيدي، واللافت في حديث سماحته الدور الذي حاوله أردوغان في الاستقطاب «طلب مني أردوغان أن أترك دمشق وأذهب إلى تركيا، رفضت وقلت له أعيش في دمشق أميراً ولا أعيش كما العبيد في تركيا، ما يقوم به هؤلاء ليس من الدين بشيء، ولا إجبار في الدين، ولكن هؤلاء يجبرون الناس ومن يرفض يقتلوه»!
وهناك لقاءات مع وزير الإعلام عمران الزعبي ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، ولقاءات على الأرض مع الأرمن ووحدات الدفاع الوطني، إضافة إلى انطباعات ولقاءات جمعها من أرض سورية في أثناء تجواله وهو الخبير.
كتاب «الأسد وهزيمة حزب العدالة والتنمية» لمؤلفه عمر أودامش كتاب يستحق القراءة سواء وافقناه أم خالفناه، فهو يقدم صورة مغايرة لما يدور الحديث حوله، ويوضح بعض الرؤى التي تغيب عن الكثيرين، وهي شهادة تركي عاش في سورية وأحبها، وعانى السجن في السجون التركية منذ شبابه الأول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن