ثقافة وفن

مسرح الظل في حياتنا … الظاهرة التي بشرت بولادة المسرح العربي

| منير كيال

لعل كثيراً من شباب هذا الجيل لا يستطيع أن يتصور أن السينما التي يرتادها الناس، وما يقدمه التلفاز، ووسائل المعرفة المرئية الأخرى، قد مرت بأطوار، كان من أهمها مسرح الظل، فهو مسرح يتميز بقربه إلى التكامل فشخوصه بشر تمثل صوتاً وخيالات تظهر صوراً وله مكان للعرض مع إضاءة تراعي حركة الشخوص، كما أن له قصة لها بداية ونهاية إضافة إلى الجمهور الذي يشاهد بلا أجر فضلاً عن ذلك فإن مسرح الظل غير مسرح العرائس المتحركة بخيوط من أعلى كما أنه غير مسرح الأرغوز الذي تتحرك شخوصه بقفازات باليد من الأسفل.

وفوق هذا وذاك فإن مسرح الظل يمكن أن يعتبر مبشراً بظهور المسرح في بلاد العرب فضلاً عن هذا فإن خيال الظل لغة، إضافة مقلوبة أرادوا بها ظل الخيال، دلالة على الأصل الذي ينعكس الظل عنه.
أما نشوء مسرح الظل ووصوله إلى بلاد العرب فيمكن إرجاع فن الظل، إلى بلاد جنوبي شرق القارة الآسيوية، أكان ذلك بلاد الهند، أم سيلان واليابان، أو بلاد الصين.
وقد عرف العرب فن الظل في العصر الوسيط بواسطة المغول والسلاجقة، إبان القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر للميلاد عبر بلاد فارس والأناضول، فواكب الحياة العامة واستقر به الأمر بالقاهرة حيث ازدهر وانتشر في بلاد العرب.
أما صلة العثمانيين الأتراك بمسرح الظل فيرجعها ابن إياس إلى العرب، ذلك أنه بعد أن اجتاح العثمانيون بلاد الشام وانتزعوها من المماليك، إثر موقعة مرج دابق قرب حلب فإن العثمانيين لاحقوا فلول المماليك إلى مصر، وانتصروا عليهم، وقبضوا على الحاكم المملوكي طومان باي، وشنقوه على باب زويلة بالقاهرة، وفي المساء مثل للسلطان العثماني انتصاره على المماليك، فأعجب السلطان بذلك وأخذ معه إلى استنبول فيما أخذ من أرباب الصنايع عدداً من المخايلين، وبالتالي انتشر هذا الفن بالدولة العثمانية وأصبح له تقاليد وأسلوبية خاصة في العروض.
وإذا كانت فصول (بابات) مسرح الظل قد عرفت بلاد الشام وبخاصة سورية، لا تخص استعارتها لشخصي كركوز وعيواظ، وشخوص أخرى من هذا المسرح، فإن النصوص أو المواضيع التي عالجها مسرح الظل كانت من البيئة المحلية وهي مستمدة من الحياة اليومية، فضلاً عن ذلك فقد طوعت نصوص الفصول أو البابات المتوارثة إلى ما يخدم البيئة المحلية من الحياة الاجتماعية.
وإذا كان لمسرح الظل كيانه المستقل في التأليف والأداء، فقد كان له دور فاعل في الحياة العامة، قبل أن يعرف الناس وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وهذا يفسر امتزاج فن الظل امتزاجاً كاملاً بوجدان الشعب فيعيش تقاليده حتى لكأنه يقوم بوظيفة المرآة التي يرى فيها الشعب مناقبه ونقائصه.
وإذا كان هذا المسرح يعتمد أسلوب المبالغة بإبراز العيوب، أكان ذلك في عدم التناسق برسم الشخصية التي تشارك في البابة (الفصل) أم في الدور المسند إليها، فقد كان الهدف من ذلك الوصول إلى ما كان، وما هو كائن وما ينبغي أن يكون في حياة الناس، وقد كان لهذا المسرح دور مهم في الحياة الاجتماعية لما له من كيان مستقل في التأليف والأداء، وذلك قبل أن يعرف الناس وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
وهذا يفسر امتزاج هذا المسرح امتزاجاً كاملاً بوجدان الشعب ويعيش تقاليده وإذا كان هذا المسرح يعتمد أسلوب المبالغة في إبراز العيوب في إطار عدم التناسق في رسم الشخصية، فقد كان الهدف من ذلك الوصول إلى الجمهور بالنقد والتوجيه.
أما بابات (فصول) هذا المسرح فإن منها ما هو متوارث، ومنها ما وضع في فترة لاحقة بهدف تقويم السلوك، كما أن من هذه البابات ما هو مستمد من الواقع حيث يقوم على تناول سلوك الناس ومن جهة أخرى، فإن من الممكن القول أن ليس للمرء أن يحكم على ما يقدمه مسرح الظل من خلال قراءة النصوص وحسب، لأن مسرح الظل لم يكن مجرد نص فقط، بل إنه إضافة إلى ذلك مجموعة من العناصر المتشابكة المترابطة، ومن ذلك الرسوم المميزة للشخوص وهيئاتها وقسماتها وأزيائها، وكذلك حركة الشخوص على الشاشة، وأشكال ظهورها، وتفاعل ذلك مع الحوار، وتصعيد هذا التفاعل المتكامل مع متطلبات الموقف ومدى تفاعل المتفرجين.
وهذا كله يرتبط ببراعة المخايل (الكركوزاتي) وسرعة وخفة يده ورشاقتها في الحركة.
وإذا كان الكركوزاتي يسبغ على الشخوص الأوصاف ويحكي على ألسنتها مستخلصاً النقطة المطلوبة فإنه كثيراً ما كان يوظف تلك الشخوص لإيصال ما يريد إلى المتفرجين فضلاً عن هذا، فقد كان يساعد الكركوزاتي جوقة موسيقية تتصدر المكان إلى جانب الخيمة، وهذه الجوقة تساعد على إراحة الكركوزاتي خلال العرض، وفي فترة الاستراحة كما قد يقوم الكركوزاتي بالغناء، أو يفسح المجال لأحد المشاهدين بذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن