من دفتر الوطن

استراحة محارب!

| عصام داري

سأهرب اليوم من الدوامة، من طاحونة الحياة التي تسرق أيامنا بسرعة خاطفة وتلقيها في مهب الريح غير عابئة بمصائرنا وسنواتنا الضائعة في الزمان والمكان.
انتظرت نسائم ناعمة تأتينا من وسط الصحارى القاحلة، وكنت أعلم أنني أطلب المستحيل، فالعوسج لا يطرح الريحان والبنفسج، والبحر لا يروي عطشنا.
نحتاج إلى دهور من التأمل والغوص في أعماق المشكلات التي اعترضت حياتنا والتي صنعنا بعضها بأنفسنا ذات تاريخ مضى بحسن النية بالآخرين واكتشفنا بعد فوات الأوان فداحة الخسارة، والغوص في أعماق أنفسنا وأرواحنا التي صارت على جناح فراشة.
نحتاج إلى عمر آخر جديد كي نكفّر عن أخطائنا بحق أنفسنا أولاً، وحق الآخرين ثانياً، وعندها قد نجد ساعة هاربة من الزمن نمضيها في سعادة حقيقية لم تمر سابقاً في تاريخنا الذي تحده من الشمال الأحزان، ومن الشرق البؤس، ومن الغرب الفوضى والجريمة والرذيلة، ومن الجنوب الفقر، ودائما يكون الجنوب موطن الفقر والفاقة والقلة.
في نهاية درب التفكير الذي قادنا إلى العديد من المتاهات والأسئلة التي يصعب حلها، لابد من الاعتراف بأن من لا يملك نعمة الأمل، لا يملك فرصة للحياة، أو على الأقل، سيجعل حياته جحيما مستمراً.
وهروبي اليوم من « طاحونة الحياة » كما ذكرت في مطلع سطوري، هو للبحث مجدداً عن خيوط أمل جديدة بعدما تمزق معظم خيوطنا بفعل الزمن الغادر، والوهن الذي تعرضنا له وكان صفعة غير متوقعة أصابت الجميع، فاتركوا لأنفسكم مساحة، ولو صغيرة، لحلم قد يتحقق، ولأمل اخترعوه إذا هجركم ورحل، فنعمة الأمل هي العملة التي نحتاجها في هذا الزمن الصعب قبل أن يخنقنا اليأس ويرهقنا حزن عميق وثقيل يرفض الرحيل!
كان لي وقفات مع الحروف والأبجدية طوال مسيرتي، وكما هاجمت الأحزان السوريين، هاجمتني، وكما أوجعت السنوات الماضية قلوب أبناء بلدي، أوجعت قلبي، لكن مهمة من في يده القلم أصعب لأن المطلوب منه أن يرسم أوجاع وطن على بياض الصفحات ويدفع بها إلى المطبعة كي تكون كلمات، وصرخات تعبر عن حجم الوجع وعمق الجرح.
لا يهم بأي أسلوب يكتب حامل القلم، أكان جاداً أم ساخراً، لكن المهم جداً ألا يجافي الحقيقة و«يرش على الموت سكر» كما نقول في لهجتنا المحببة، والمهم ألا يضلل القلم الناس، وأن يزيف الحقائق أو يقلبها إرضاء لفلان، أو تقرباً من آخر، لأنه بذلك يخسر الآخرين، ويخسر نفسه، ونذكر قول السيد المسيح «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه».
أهرب اليوم من نفسي ومن الناس لأستريح قليلاً من التعب ومن ملاحقة الأغلاط التي باتت القاسم المشترك لحياتنا، أهرب لأن كلماتي ذهبت أدراج الرياح كما توقعت تماماً، فالوجع لا يؤلم إلا صاحبه، ومن يملك القرار فهو من يختار، وأفضل ما أفعله اليوم الهروب من النار، ومن أسعار الليرة والدولار ومن ثم علينا أن نتابع المشوار.
هل رفعت رايتي البيضاء وأعلنت هزيمتي واستسلامي؟
طبعاً لا، إنما هي استراحة محارب فقد أسلحته وينتظر رحمة الأقدار كي ينهض ويقول: «لا» مرة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن