قضايا وآراء

ترامب.. سرابك ليس ماء

| مصطفى محمود النعسان

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه واثق أن طهران ستجري مباحثات مع واشنطن قريباً، وذلك بعد أن كشف أرقام هواتفه لها بوساطة جنيف داعياً إياها للاتصال به والتفاوض معه وهو الأمر الذي رفضته طهران رفضاً قاطعاً وأكدت أنه إذا كان ترامب يريد التحدث مع طهران فيعرف أرقام هواتفها.
والحق أن هذه التصريحات لترامب سبقتها وترافقت معها استعراضات عسكرية أميركية حيث تم إرسال حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» ومجموعة أخرى من السفن إلى الشرق الأوسط عبر مضيق هرمز، كما ترافقت هذه التحركات مع ارتفاع نبرة التهديد والوعيد قبل أن تتراجع واشنطن عن ذلك لتعود إلى محاولة استدراج إيران دبلوماسياً للجلوس إلى مائدة المفاوضات.
السؤال الذي يطرح هنا: ماذا تريد واشنطن من مفاوضاتها مع طهران؟
قولاً واحداً إن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه من مجموعة (٥ + ١) واستغرق إنجازه حوالي خمس سنوات من المفاوضات الشاقة والصعبة من عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠١٦ ليس هو بيت القصيد وليس هو محل التفاوض الذي تبتغيه واشنطن ولاسيما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أنها لم تجد أي نشاط نووي سري في إيران ولكن ما تبتغيه واشنطن أنها تريد جعل التفاوض حول الاتفاق النووي واجهة لغايات أخرى تتعلق بدور إيران في المنطقة، وهذا ما عبرت عنه تصريحات ترامب من أن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام في طهران ولكن تسعى إلى تغيير سلوكه.
هذا التصريح على ما يحمله من كذب واضح وصريح إلا أن السلوك الإيراني الذي يقصده هو بالدرجة الأولى والأهم تجاه الكيان الإسرائيلي، ذلك أن إيران وسورية تمثلان الشوكة الصلبة والقوية في حلق هذا الكيان وكل ما يقال عن إعادة صياغة اتفاق نووي جديد يأتي في إطار التحايل والخبث الأميركي للوصول إلى صيغة وتفاهمات أميركية من شأنها حسب ظن واشنطن ترويض إيران بعد أن نغصت حياتها العقوبات الاقتصادية ولاسيما في مراحلها الأخيرة.
إذاً الهدف هو ترويض إيران لضمان نجاح وتمرير صفقة القرن الذي عمل عليها ترامب وفريقه الصهيوني ولاسيما صهره ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنر منذ ما يقارب العام ونصف العام وكان وما يزال موقف محور المقاومة وعلى رأسه سورية وإيران هو المانع والحائل دون إعلان هذه الصفقة.
أما وقد ظهرت بعض بنودها وتفاصيلها مؤخراً وتبين مدى القبول العربي لها ولاسيما الخليجي، فيبقى ضمان الموافقة الإيرانية والسورية عليها هو ما يكفل بإنجازها على التمام والكمال وهو الضامن لأن ترى النور وتتحول من حبر على ورق لتصبح حقيقة على أرض الواقع.
إن تزامن تصريح ترامب الذي أشرنا إليه في بداية المقال الذي يعبر عن ثقته بأن إيران ستجري مفاوضات مع واشنطن وتزامنه مع الكشف عن تفاصيل الصفقة المشؤومة، هو أحد البراهين والدلائل على ما سبق.
أما البرهان والدليل الآخر فهو ما تردد من أحاديث عن محاولات المحور السعودي المصري الإماراتي لاستمالة دمشق للمساهمة في التغلب على بعض مشكلاتها ولاسيما في منطقة الجزيرة السورية ولكن هيهات فدمشق زيادة على أنها قادرة على حل مشكلاتها بنفسها فهي لا يمكن أن تقبل أو أن تركن إلى مساع من شأنها أن تدفع أثمانها للكيان الإسرائيلي وأول هذه الأثمان القبول بصفقة القرن.
بالتأكيد فإن الخبث الأميركي سواء المباشر بالتهديد والوعيد أم من خلال الوسطاء والإغراءات، لن يثني دمشق ولا طهران عن مواقفهما التي ميزت سياساتهما تجاه القضية الفلسطينية ويبقى الرهان الأميركي على تحويل مواقف طهران وكذلك دمشق عن مبدئيتها كمن يظن السراب ماء وقد استبد به العطش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن