قضايا وآراء

من يردع ترامب عن حربه يهزم تجار الموت

| تحسين الحلبي

يبدو أن تجربة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة تثبت دون أدنى شك أن الرئيس مجرد شخصية مهمتها التوقيع على قرارات ليس من المفترض أن يفهم أبعادها ما دامت ستخدم عند تنفيذها مصالح الفئة المستفيدة منها، وغالباً ما تكون مثل هذه القرارات في مصلحة أصحاب مصانع الأسلحة والذخائر والممولين لها، لكي تزيد أرباحها أو ثمن أسهمها في سوق المضاربات وليس في مصلحة الأغلبية الساحقة من الجمهور الأميركي، وهذا تماماً ما يفسر توقيع 400 عضو من المجلسين التشريعيين للكونغرس الشيوخ والنواب على رسالة يطالبون فيها الرئيس ترامب بتصعيد الحرب الأميركية على سورية تحت حجة مجابهة إيران وروسيا وحزب الله.
يشكل هذا العدد 75 بالمئة من المشرعين في المجلسين، وهؤلاء سرعان ما يكسبون أموالاً ضخمة من قرارات كهذه، لأنها ستؤدي إلى زيادة إنتاج الأسلحة وبيع الذخائر للجيش الأميركي ولحلفائه في السعودية ودول أخرى، فالحروب ستجعل هؤلاء يشترون أسهم مصانع السلاح لأنهم يعرفون سلفاً أنها ستربح أموالاً كثيرة ناهيك عن وجود نسبة كبيرة ممن يمتلك منهم أسهماً في هذه المرافق الصناعية.
وفي النهاية قد لا يحسب ترامب أي حساب لنتائج هذه الحروب ما بقي رئيساً وهو الذي جاء من ساحة سماسرة العقارات والمضاربات العقارية، وربما حين يتخذ مثل هذه القرارات يكون قد طلب سلفاً من أبناء أسرته وشركائه شراء أسهم من هذا النوع، لأن إنتاج الذخائر والأسلحة سيتيح أرباحاً كبيرة ومضمونة بنظره.
وكانت الحرب السعودية الأميركية على اليمن عام 2015 خير شاهد على المكاسب الكبيرة المالية التي حققتها المصانع الأميركية لصناعة الأسلحة والذخائر وهذا ما يكشفه الصحفي أليكس كين في المجلة الأميركية والإلكترونية «إنذيس تايمز» في 20 أيار الجاري وجاء فيها أن الإدارة الأميركية تستطيع في أي وقت تحدده إيقاف مبيعات الأسلحة التي تستخدم في الحرب على اليمن، وأن أربع شركات لصناعة الأسلحة حققت أرباحاً خيالية نتيجة الحرب على اليمن وهي شركة «جنرال داينيميكس» التي تصنع الذخائر والقذائف الثقيلة وشركة «بوينغ» في شيكاغو التي تعد ثاني أكبر شركة منتجة لهذه الذخائر وأسلحتها وشركة «ريثيون وولثام» ثالث أكبر شركة لهذه الصناعة وشركة «لوكهيد مارتين»، وصدقت وزارة الخارجية الأميركية على عقود بـ30 مليار دولار لمصلحة هذه الشركات، ومنذ بدأت الحرب على اليمن عام 2015 ارتفع سعر أسهم شركة «جنرال ديناميكس» من 135 دولاراً إلى 169، وسعر أسهم شركة «ريثيون» من 108 دولارات إلى أكثر من 180 دولاراً وكذلك أسهم شركة «بوينغ» من 150 دولاراً إلى 360 دولاراً، أما شركة «لوكهيد» فامتنعت عن التعليق.
وذكر معهد «ستوكهولم» الدولي لأبحاث السلام أن السعودية عقدت صفقات مع الولايات المتحدة خلال العقد الماضي بقيمة «109» مليارات دولار لشراء أسلحة والتدريب عليها وقطع التبديل والذخائر، كما عقدت الرياض صفقة لصيانة الأسلحة والذخائر بقيمة 5.5 مليارات دولار مع بداية الحرب على اليمن، وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد أوقف صفقة بيع قنابل عنقودية بقيمة 350 مليون دولار لشركة «ريثيون» لكن مجيء ترامب إلى الرئاسة ألغى هذا القرار وصدق على تأكيدها مرة أخرى، وفي عام 2017، وافق ترامب على بيع أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار وإعداد ذخائر وأسلحة لبيعها للسعودية بقيمة 350 ملياراً خلال العقد المقبل منذ 2017.
وأتاح من خلال ذلك توظيف نصف مليون عاطل عن العمل، وكان الأعضاء التشريعيون الذين وقعوا على هذا الطلب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولذلك لا يتوقع الكثيرون أن تجري عملية إقالة للرئيس ترامب بعد تزايد التهم والشكوك بمخالفات كثيرة انتهك فيها الدستور والقانون الأميركي، لأن كلا الحزبين أصبح من أكبر المستفيدين من خضوعه لقرارات شركات الأسلحة والذخائر على حساب دماء العرب والمسلمين في جميع المناطق والبلدان التي تخوض فيها الولايات المتحدة حروبها الوحشية مع حلفائها في المنطقة، ويبدو أنه من غير المستبعد أن تدفع الولايات المتحدة السودان إلى حرب داخلية أو بينها وبين أثيوبيا، وكذلك الجزائر أو بين الجزائر والمغرب لزيادة أرباح تجار الموت والحروب الأميركيين، لكن وزارة الدفاع والخارجية الأميركية تدرك أن أي حرب على إيران أو حلفائها ستكلفها خسائر بشرية أميركية وليس أرباحاً لأصحاب مصانع السلاح، لأن الحرب السعودية على اليمن والحرب الأميركية في أفغانستان تستخدم لها واشنطن قوى بشرية محلية وليس أميركية، ولا شك أن النجاح في ردع الولايات المتحدة عن شن الحرب على إيران سيشكل انتصاراً لقوى محور المقاومة وهزيمة لتجار الموت والسلاح الأميركيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن