قضايا وآراء

الأزمة وحدود بدرسون

| مازن بلال

تطرح اللجنة الدستورية كنقطة ارتكاز في عمل المبعوث الأممي غير بدرسون بناءً افتراضياً، حيث يشكل التوازن في المواد الدستورية «توزيعاً» للقوى بحيث يمكن ضمان الاستقرار، وهذه الفرضية لا ترتبط بالشأن الداخلي السوري، إنما بمنهجية دولية لتفكيك الأزمة إن صح التعبير، فاللجوء إلى هذا الحل هو في النهاية توزيع صلاحيات يشبه حالة «الطائف» اللبنانية ولكنه على مستوى دولي، وفي المقابل فإن هذا «التقاسم» طرح مباشرة أزمة في تشكيل اللجنة لأنها انعكاس لانقسام دولي، وجولة بدرسون الحالية تحاول خلق «تجميع» عبر الضغط من قبل الجميع على الطرف الحكومي، لأن أي دستور قادم يظهر خارج مؤسسات الدولة وضمن نطاق لا يعبر سوى عن ظرف سياسي ربما يطول، لكنه في النهاية سيتغير وستتبدل معه حسابات القوى التي نشأت نتيجة هذا الدستور.
ضمن التصور الأولي تبدو الأطراف داخل اللجنة واضحة، في حين يظهر الخلاف على ممثلي المجتمع المدني، والسؤال المطروح هل يمكن أن يشكل هؤلاء فارقاً جوهرياً؟ فـ«المجتمع المدني» لا يمكن تعريفه خارج مؤسسات معبرة عنه، وانعدامها لا يعني غياب المجتمع المدني بل عدم القدرة على تحديده بوضوح، ففي عملية التفاوض يتم الاستناد إلى قوى فعلية وليس إلى «حالات» و«ظواهر» لا تملك شخصيتها الاعتبارية من خلال مؤسسات واضحة.
يمكن أيضاً الانتقال أعمق من التصور الأولي لاختبار فرضية التوازن التي سيؤمنها الدستور، فالقوى التي يمكن أن تجلس في هذه اللجنة في مواجهة ممثلي الوفد الحكومي لا تملك الجغرافية، وهذا ما يجعل التوصل إلى وثيقة وطنية أمراً مستحيلاً، ومن دون التقليل من أهمية أي «قوة» موجودة في الداخل أو الخارج السوري، لكن ما ينقصها «الشرعية الاجتماعية» التي لا تنشأ إلا بالفعل الفيزيائي، أي بقدرتها على تلبية مصالح اجتماعية معنوية أو مادية، وهذا الأمر يتم التعويض عنه بشرعية إقليمية أو دولية؛ مما يجعل اللجنة الدستورية تعمل على وضع بنود تمثل التوازن الحالي إقليمياً ودولياً، وهذا الأمر ظهر في مناطق متعددة مثل العراق أو منطقة البلقان بعد الحرب اليوغوسلافية، أو حتى في لبنان الذي مثّل الطائف توازناً إقليمياً انهار بعد عام 2000.
عملياً فإن بدرسون يريد إنجاز اللجنة ثم التأثير عليها من الخارج، وعبر الوفود التي تم تشكيلها سابقاً، مثل غرفتي النساء والمجتمع المدني، وهو ما يفسر الصراع على ممثلي المجتمع المدني لأنهم المجال الوحيد لنشاط المبعوث الأممي خلال التفاوض، وهم أيضاً مستقطبون من قبل الأطراف الأخرى في اللجنة، لكنهم في نفس الوقت مجموعة يمكن التعامل معها دون إثارة حفيظة المرجعيات الدولية الأساسية مثل روسيا أو الولايات المتحدة.
معضلة اللجنة الدستورية أن توازنها قائم على نوعية الخلاف القائم، فكل طرف يحاول تصفية حساباته عبر اكتساب قوة دستورية، أي إنه يريد امتلاك الجغرافية افتراضياً ثم يقوم بعد ذلك ببناء قوته بعد مباشرة «الحل السياسي»، وعملية الاقتسام تظهر بعيداً عن التعقيدات التي شكلتها الأزمة السورية، فبدلاً من نقاش نوعية الدستور الذي يضمن خروجاً آمناً نحو الحل السياسي، فإن هذه اللجنة تريد تثبيت حالة التشتت القائمة وتأكيد مساحات لا تملك شرعية من خلال توازن مازال حتى هذه اللحظة افتراضياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن