ثقافة وفن

دراما البيئة الشامية تثير الجدل … المجتمع الشامي متحضر جداً على مستوى الثقافة والحياة وليس كل ما قُدّم صحيحاً

| وائل العدس

تتبوأ أعمال البيئة الشامية في كل موسم درامي مركز الصدارة وتحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة لتدر على المنتجين أموالاً باهظة باعتبارها تجارة رابحة ومضمونة.
وقد أثار هذا النوع من الدراما الكثير من الجدل بما يتعلق بمحتوى القصص التي تسرد وتتناول أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
البعض اعتبر أن هذه الأعمال تشوه تاريخ دمشق الحقيقي والغني فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على حين كان الصراع الأبرز على دور المرأة وكيفية تصويرها وتوجيه أصابع الاتهام إلى أن هذه الأعمال شوهت صورة المرأة الدمشقية وأظهرتها مجرد امرأة ثرثارة وحياتها مُكرّسة للأحاديث الفارغة، إضافة إلى خدمة زوجها، بينما أظهرها التاريخ أنها عنصر فاعل في المجتمع بعد أن كانت ناشطة سياسياً وفكرياً واجتماعياً.

ممنوع من التوثيق
إذاً ليس كل ما قُدّم ويقدم صحيحاً ولا يعكس بالضرورة واقع البيئة في هذا المجتمع وهذه المدينة، بل هناك ابتعاد عن ذلك، وعلى قلتها، هناك أعمال قدّمت بعض الوقائع الصحيحة والحقيقية من عمق الحياة في دمشق.
إن شركات الإنتاج هي من تفرض هذا النوع من الأعمال وتمنع التوثيق في أعمال البيئة الشامية، مبررة ذلك بأنها تريد مسلسلاً يتوجه إلى أدنى طبقات الشعب، باعتبار أن فئة «غير المثقفين» أكبر نسبة من المثقفين في الوطن العربي، أي إنها تريد مسلسلاً يتوجه إلى عامة الناس وليس إلى طبقة محددة منه.
إن هذه الشركات باتت تركز على مسلسلات البيئة الشامية وأعادت إحياء المسلسلات التاريخية لأن تسويقها أسهل بكثير من تسويق المسلسلات الاجتماعية التي تصور الواقع.
كما أن شركات الإنتاج العربية والمحطات الفضائية هي التي تفرض صورة وأحداث هذه الأعمال رغم ابتعادها في المجمل عن الواقع، فالمجتمع الشامي لم يكن متخلفاً ومتزمتاً إلى الحد الذي تظهره هذه الأعمال.

مجتمع متحضر
هنالك تكرار في البيئة الشامية، وابتعاد عن توثيق الفترة التي يمر بها العمل، إن كان في فترة الاحتلال العثماني، أو فترة الاحتلال الفرنسي، أو حتى فترة الاستقلال.
فالمجتمع الشامي لم يكن كما نتابعه، بل هو مجتمع متحضر جداً وأول وأكثر الشعوب العربية ثقافة، وكان مغايراً تماماً لما قدم في الأعمال الشامية.
وكان لباس أهل الشام غير اللباس الذي يظهر في الأعمال وكذلك تعاملهم، لكن شركات الإنتاج والمخرجين أحبوا اللون الجديد الذي ظهر على الشاشة العربية، وخاصة بعد محبة الناس لذلك، فأصبح بعض الممثلين يزيدون من استعمال الكلمات البيئية العامية القريبة جداً إلى الناس البسطاء الميالين للشر أكثر من ميلهم للخير.
وهناك وجود تشويه للبيئة الشامية والمجتمع الشامي المثقف والمنفتح على الخارج، ولاسيما أن دمشق كانت فيها أكثر من 220 جريدة تصدر في العام وهناك المطابع والأشخاص الذين يسافرون بقصد الدراسة والعلم في أوروبا، كما كان هنالك المثقفات والسياسيات.
فالمجتمع الشامي ظُلم في هذه الدراما وكذلك المرأة الدمشقية، حيث إن الكم الأكبر من النساء الدمشقيات متعلمات ومثقفات، والظلم الذي حلّ بهن في هذه الدراما جاء من خلال إعطاء صورة عن المرأة أنها جاهلة وثرثارة وزوجها متسلط عليها.
هذه الأعمال لم تقدم البيئة الشامية الصحيحة، فهناك محطات هامة في تاريخ المدينة لم تعرض من خلال هذه الدراما، وهذه المحطات غيرت في فترتها مجرى التاريخ الذي مر على هذه المدينة.
إن الأعمال التي قدمت كانت بقصص مفترضة لم يوثق بها التاريخ ولا الحارات وتناولت شريحة صغيرة جداً من المجتمع، ولم يظهر فيها طبقة المثقفين والسياسيين.
ويبرر صنّاع هذا النوع من الدراما بأنهم ابتعدوا عن التوثيق لمصلحة تقديم «حتوتة» شامية شعبية يحبها الناس والقصد منها المتابعة وإيصال رسائل خيّرة إلى الناس من خلال تلاحم المجتمع وتكاتفه وتعاضده.
هناك من يدافع عن تكرار أعمال البيئة الشامية في كل عام، من باب إظهار كيفية حياتنا وكيف كانت روح الإخاء والمحبة التي كنا نعيشها في ذلك الوقت، على أساس أن الأعمال الشامية تظهر الرجولة بمعناها المتعارف عليه، وتؤكد ضرورة وجود عملين أو ثلاثة في كل عام تنتمي إلى هذه البيئة.
المدافعون يقولون إن تكرار دراما البيئة الشامية كل عام أمر جيد، لأن هذه البيئة متنوعة وهناك قصص كثيرة تنتمي إلى هذه المدينة، فمن المسلسلات التي تحمل الطابع الغرامي إلى المسلسلات ذات الطابع الدرامي إضافة إلى الكوميديا، وأنا في الموسم الرمضاني.
لكنهم يرون في الوقت نفسه أن الحديث عن إظهار الأعمال للمرأة بأنها ثرثارة وما إلى ذلك هو أمر غير منطقي، بل إن الحديث عن المثقفات والطبيبات والسياسيات… الخ، هو أمر يجب أن يعيدنا إلى توثيق التاريخ ومن ثم إلى الكتّاب الذين لم يتحدثوا عن هذه الطبقات من السيدات، وفي العموم كانت المرأة الدمشقية ربة منزل ممتازة، وأكثر النساء ذوات الصيت في ذلك الوقت إما هن النساء القويات وإما «الدايات» ذوات الشخصية القوية والمعروفات من قبل النساء في حارتها».
إذاً لا يمكن إنكار دور المرأة في الحياة الدمشقية، وخاصة المتعلمات والطبيبات.. الخ، ولكن لماذا لا نراهنّ في هذه الأعمال إلا ما ندر؟.

هذا العام
خلال هذا العام أنتجت الدراما السورية أربعة أعمال شامية، فاستمر «باب الحارة» بجزء تاسع ولكن بشركة إنتاج جديدة ومن تأليف مروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب وبطولة نجاح سفكوني وسلمى المصري ونظلي الرواس وهدى شعراوي وعلاء قاسم وأماني الحكيم وريم عبد العزيز وسمر عبد العزيز وأمية ملص ومحمد قنوع يحيى بيازي ورائد مشرف، تولين البكري ومحمد الشماط.
وبدأت الأحداث من قصف الاحتلال الفرنسي لحارتي الضبع وأبو النار، فيموت معظم أهالي الحارتين باستثناء بعض الشخصيات. تهاجر العائلات التي بقيت على قيد الحياة إلى حي الصالحية بدمشق لتقيم هناك تحت رعاية المختار «أبو رسمي»، وبعد موت «أبو جودت» رئيس الكركون يظهر «أبو مشغل» ليستلم بدلاً منه.
أما «شوارع الشام العتيقة» فهو من تأليف علاء عساف وإخراج غزوان قهوجي وبطولة رشيد عساف وصباح الجزائري وفاديا خطاب وجوان الخضر ويحيى بيازي وولاء عزام ومرح جبر وبسام لطفي، عاصم حواط وليا مباردي وخلود عيسى وريم عبد العزيز وريام كفارنة وصالح الحايك.
تدور أحداث المسلسل داخل أجواء الحارة الدمشقية العتيقة، من خلال أسرة «أبو عرب» التي تدخل في صراعات وتطور درامي مع الأحداث لمصلحة البعد الإنساني الوجداني والنفسي.
مسلسل «سلاسل ذهب» من تأليف سيف حامد وإخراج إياد نحاس وبطولة بسام كوسا وصباح الجزائري وشكران مرتجى وكاريس بشار وسحر فوزي ومها المصري وديمة بياعة وعبد الهادي الصباغ وفادي صبيح وسامر إسماعيل وجيني إسبر وسعد مينة وأيمن بهنسي والليث مفتي.
يروي العمل حكاية صائغ محنّك في سوق الذهب، يتميز بمعرفة عميقة بنفسيات النساء وحسّه كـ «زير نساء» من جهة، وضحاياه السابقات واللاحقات من جهة أخرى. فهؤلاء النسوة سيظهرن المرأة في قالب غير نمطي في هذا النوع من الأعمال، إذ يبرزن مكانتها وتحكمها في قرارها، وإقدامها على التجارة مثلاً، من دون الاكتفاء بالركون إلى داخل جدران منزلها.
أما «عطر الشام» فاستمر بجزء رابع من تأليف مروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب وبطولة سلمى المصري ووائل رمضان ورنا الأبيض ونادين خوري وعلا بدر وعلي كريم وعلاء قاسم وعلا باشا وفاديا خطاب وتولاي هارون وقاسم ملحو ويحيى بيازي وطارق الصباغ ورضوان عقيلي وريام كفارنة وأمانة والي وسوسن ميخائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن