قضايا وآراء

«إس 400» وتركيا المتأرجحة!

| موفق محمد

مما لا شك فيه، أن تسليم روسيا نظام صواريخ «إس400» إلى تركيا، يشير إلى تقارب بين البلدين، وفي الوقت ذاته يؤكد عمق الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، اللتين تملكان أكبر جيشين في حلف الـ«ناتو»، وربما بدء انقسام الحلف الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة روسيا.
هذا التغير في خريطة التحالفات الدولية، المتمثل بالانزياح التركي باتجاه روسيا تسبب فيه الاختلاف في المواقف بين أنقرة وواشنطن إزاء تطورات الأوضاع في سورية، ويأتي على الرغم من أن تركيا وروسيا على طرفي نقيض إزاء ما يحصل في هذا البلد، ويبقى السؤال الذي يطرح في ظل ما يجري: كيف ستكون تفاهمات تركيا مع كل من روسيا والولايات المتحدة حول الملف السوري في المستقبل؟
يبدو، أن الاحتلال الأميركي في شرقي سورية، ودعمه للميليشيات الكردية التي يعتبرها النظام التركي «تنظيمات إرهابية»، وسعي واشنطن إلى إقامة كيان انفصالي في شمالي وشمالي شرقي سورية، وهو أمر ترفضه كل من تركيا وروسيا، ساهم بشكل كبير في هذا التقارب بين البلدين، وزاد من التباعد بين حليفي الـ«ناتو».
ومما زاد أكثر في التباعد بين الولايات المتحدة وتركيا، رفض واشنطن وأعضاء الـ«ناتو» تقديم منظومة صواريخ «باتريوت» لأنقرة التي ردت عليه بشراء منظومة «إس400» الروسية، الأمر الذي ساهم في تقارب أكثر مع موسكو على حساب الآخرين.
المتتبعون لسياسة نظام رجب طيب أردوغان «الإخواني» الخارجية يرون أنه مع خذلان أميركا ودول حلف الـ«ناتو» لحليفتهم تركيا وازدياد الاعتقاد السائد في الأوساط التركية السياسية والشعبية بأن أميركا ودول الحلف ليس في اهتمامها المصالح الأمنية والقومية التركية، فإن النظام التركي سيكون مجبراً على إعادة النظر في سياسته الخارجية والذهاب أكثر باتجاه روسيا مع الإبقاء على شعرة معاوية في علاقته مع أميركا والحلف، الأمر الذي يفرض عليه تدوير زوايا مواقفه تجاه الأحداث في سورية التي تعتبر روسيا الحليف الأكبر لها، وطالما طالبته بتغيير مواقفه مما يجري فيها.
مسار وتتابع الأحدث، يفرض على نظام أردوغان الذي يعتبر أحد رعاة «مسار أستانا» مع روسيا وإيران، الكف عن سياسة اللعب على حبلي روسيا وأميركا، لأنه وعندما تصل مفاوضاته مع أميركا بشأن إنشاء «المنطقة الآمنة» إلى خلافات عميقة يجنح باتجاه روسيا، وعندما تصل مفاوضاته مع روسيا إلى خلافات كبيرة يميل باتجاه أميركا، على أمل حصوله على تنازلت من كلا الجانبين توسع مناطق احتلاله في شمالي سورية، وهو ما ظهر جلياً عندما ترددت أنباء عن فشل مفاوضات بين موسكو وأنقرة بشأن مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد».
نظام أردوغان «الإخواني» يُرجح أن يعمل على إعادة النظر في سياسته الداخلية بعد أن بات مهدد بالسقوط، إثر الصفعات المدوية التي تلقاها في انتخابات بلديات أنقرة وإسطنبول وإنطاليا ومدن كبرى أخرى لمصلحة المعارضة، وحزبه «العدالة والتنمية» الحاكم مهدد بالتفكك بعد الانشقاقات التي باتت تلوح من رفاق دربه الذين غدر بهم بإقصائهم عن الحزب، وهذه الانعكاسات السلبية الداخلية التي ارتدت على النظام التركي، جاءت في غالبيتها من جراء معاداته للدول المجاورة، وتحويله لسياسة «تصفير المشاكل» التي زعم قبل سنوات أنه سيتبعها إلى «مشاكل مع الجميع»، وخصوصاً طريقة تعامله مع الأحداث في الجارة الجنوبية سورية من دعم وتمويل للتنظيمات الإرهابية وتسهيل عبور الإرهابيين.
إن تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين بداية الشهر الجاري حين اعتبر أن الجهود التي تبذلها بلاده وتركيا في سورية، تعد عاملاً مهماً للاستقرار العالمي، وأن العلاقات القائمة بين أنقرة وموسكو، ارتقت إلى مستويات إستراتيجية، إضافة إلى تأكيد مصادر مطلعة على مضمون زيارة المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق، ولقاءاته مع المسؤولين السوريين بأن ملف إدلب «يتجه لحله سياسياً بالتوافق مع تركيا»، في وقت قريب، تبنأ بتحول في موقف النظام التركي تجاه سورية.
رغم كل تلك المؤشرات إلى إمكانية حدوث تغير في السياسات الداخلية والخارجية لنظام رجب طيب أردوغان «الإخواني» يجب الحذر منه لأنه «أكاديمية بالكذب والخداع والمراوغة»، ولكن هل يمكنه خداع قصير الكرملين؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن