قضايا وآراء

الوعد الصادق

| محمد نادر العمري

ما بين اللهجة التحذيرية ورفع سقف التهديدات للمحور الأميركي الإسرائيلي، ومثيلتها من الطمأنينة للرأي العام اللبناني والمقاوم، جاء لقاء الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه التلفزيوني، مطلقاً مواقف متعددة بما تحمله من أبعاد سياسية وعسكرية ونفسية، ووضع من خلالها النقاط على الحروف فيما يتعلق بتساؤلات المتابعين والمراقبين، وأحبط آمال بعض السياسيين والنخب الحاكمة، وخاصة فيما يتعلق بمصير الملفات التي تشكل ساحات الصراع على مستوى الخريطة الجغرافية للمنطقة عموماً، مؤكداً على الثوابت التي رسختها المقاومة من توازن للردع وتغيير في موازين القوى والتي قيدت السلوك الإسرائيلي الأميركي من جانب وضيقت من خياراتهما، ومن جانب آخر أفصح عن الكثير من المعلومات التي يمكن وصفها بالمراوحة بين النار والسلام وما بينهما من صندوق رسائل لمن يهمه الأمر.
اللقاء الذي قارب ثلاث ساعات ونصف الساعة، كان مشبعاً بغزارة تفاصيله ومعلوماته، شكل ببعده الإسرائيلي هاجساً عبرت عنه بداية الأمر وسائل الإعلام العبرية ليلحق في ركابها تصريحات المسؤولين الرسميين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي وجد نفسه مضطراً للرد بتهديدات غير واقعية وانفعالية نظراً لأن إسرائيل كانت جزءاً من الكُل في رسائل الأمين العام، وحققت خرقاً نوعياً في هذه المرحلة:
• من حيث التوقيت الزمني: لا يبدو أن الاحتفال بذكرى انتصار تموز 2006، شكل وحده المحطة المحورية لظهور الأمين العام لحزب الله ليطلق هذا الكم الهائل من صندوق تهديدات محور المقاومة بأكمله، بل شكلت هذه الذكرى مناسبة للتذكير بأن محور المقاومة منذ عام 2006 بدأ يغير موازين القوى لمصلحته بإسقاط مشروع «ولادة الشرق الأوسط الجديد»، بتوقيت سياسي حساس يشهده النظام الدولي والإقليمي في ظل تنامي التوتر والصراع الأميركي الإيراني، والجنوح الإسرائيلي الخليجي بمطالبة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصولها للحكم بغزو إيران.
• شكل هذا اللقاء بمضمونه حرباً مفتوحة وشاملة بأكثر من صعيد في مجابهة العدو الإسرائيلي، تمثل بما يلي:
أولاً: الحرب النفسية التي شكلت باعتراف العدو الإسرائيلي ونخبه المختلفة إحدى أهم الأدوات الرابحة التي بات يملكها حزب اللـه خلال الأعوام السابقة، وهذه الورقة الرابحة برزت بشكل واضح خلال اللقاء الأخير سواء من حيث كم التهديدات التي أطلقها نصر اللـه ورماها بالملعب الإسرائيلي، وكذلك بنسبة المتابعة الإسرائيلية المرتفعة من إعلام ومسؤولين ومستوطنين، والتصريحات الانفعالية التي صدرت بشكل متعاقب.
ثانياً: الحرب الاستخباراتية والأمنية التي تمثلت في عرض السيد لأحد بنوك الأهداف التي يمتلكها الحزب ومحور المقاومة بشكل مؤكد، وهذه ليست المرة الأولى التي يستعرض بها الحزب بعض معلوماته، فالإشارة للشريط الساحلي الممتد من نتاليا شمالاً إلى أشدود جنوباً ضمن الخريطة التي عرضها السيد والذي وصفها «بقلب الكيان» تحتوي على أكثر من 80 بالمئة من أهم بنوك الأهداف التي ستطولها صواريخ المقاومة نظراً لتمركز معظم المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية فضلاً عن المستوطنات في هذه المنطقة.
وهذه المعلومات تتطلب جهداً استخباراتياً وأمنياً على مستوى عالٍ من الإمكانات البشرية واللوجستية التي بات يمتلكها الحزب واستطاع من خلالها خرق الصف الإسرائيلي بوسائل مختلفة، في وقت تشير معظم التقديرات الأمنية الإسرائيلية عن تراجع قدرات استخباراتها في الحصول على معلومات ودقتها، وعلى أكثر من جبهة من امتداد محور المقاومة.
ثالثاً: التأكيد على المؤكد في تغير قواعد الاشتباك لمصلحة محور المقاومة والتلويح «بتوازن الرعب» ويمكن ملاحظة ذلك في حديث نصر الله في أكثر من نقطة:
• جهوزية المقاومة وامتلاكها القدرات العسكرية نوعاً وكماً، البرية والصاروخية والبحرية وربما الجوية، للتصدي لأي عدوان إسرائيلي فضلاً عن عنصر المفاجأة الذي اعتاد الحزب والمحور على امتلاكه وهو ما دفع سماحة السيد للقول بثقة: إننا سنعيدهم إلى «العصر الحجري»، وفي هذا الإطار تنبأ الموقع الإلكتروني العبري «نتسيف نت»، السبت الماضي، أن المدفعية الموجهة بالليزر، وهي سلاح جديد استخدمته إيران في قصفها لمراكز التنظيمات الإرهابية الموجودة على حدود إقليم كردستان العراق، ربما تكون أحد الأسلحة الذي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله، خلال لقائه الجمعة الماضية، فضلاً عن مفاعل «أمونيا» الذي يمنح كل صاروخ يصل إليه رتبة التصنيف النووي، وتأكيد نصر اللـه على أن ما بعد «إيلات» يقع ضمن دائرة قدرات المقاومة، مقابل الحديث من داخل الكيان وعبر خبرائه عن إخفاق قيادات إسرائيل في ترميم ثقة المستوطنين بقدرات جيشهم وثقة الجنود في تحقيق أي إنجاز يذكر في ظل تراجع نوعية الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
• تغير مقاربة رقعة الاشتباك: حيث لطالما كانت الدول العربية وخاصة المجاورة لفلسطين المحتلة، هي ساحات للتبجح الإسرائيلي سواء لتوسيع رقعة احتلاله أو لنقل أزماته خارجياً.
كلام الأمين العام عن التغطية الصاروخية لحزبه وقدرتها على الوصول لجميع أراضي فلسطين المحتلة، ووضع سيناريوهات لاقتحام الجليل، من دون الإفصاح عن مضمونها وشكلها ووسائلها، جميعها مؤشرات حسية وواقعية تفرض التسليم بأن رقعة الاشتباك العسكري لن تكون محصورة خارج الأراضي المحتلة بل في عمقها وعلى حدودها كافة، وهذا ما يحمل القيادات الإسرائيلية عبئاً ثقيلاً يهدد وجود دولتهم المزعومة.
اللافت في حديث نصر الله، أن هناك نقطتين جوهريتين قد تبدوان لبعض المتابعين بأنهما متناقضتان من حيث الشكل، ولكن بشكل جازم يمكن التأكيد أن هذا التناقض ينطلق من إدارة هذا التناقض في فرض واقع «تقيد السلوك العدواني أو مجرد عدم التفكير به» لنتنياهو وحكومته أو أي حكومة مقبلة، إن لم تكن «قدرة إستراتيجية» تتضمن ضربة قاضية لإسرائيل:
الأولى: حديث الأمين العام عن ضرورة البحث عن سبل لمنع سلاح الجو الإسرائيلي من استخدام الأجواء اللبنانية في اعتداءاته على سورية، وفي الوقت ذاته ترك مساحات من الغموض البناءة في مواجهة العدو بإجابته: «ربما نملك صواريخ لإسقاط الطائرات».
النقطة الثانية: تتمحور في مسارين الأول قوله: إنه لا يتوقع حرباً قريبة مع الكيان الإسرائيلي نظراً لعدم جرأة هذا الكيان على القيام بذلك، وبروز ذلك بصورة خاصة من خلال التأكيد الذي أبداه نصر اللـه بأن حكومة الاحتلال تعلم جيداً أنها لو قامت بقتل أي عنصر لحزب اللـه في سورية سيكون هناك رد حتمي، ومن يتابع تصريحات نصر اللـه خلال العامين السابقين يكاد يجزم بأن الكيان لن يجرؤ فعلاً على القيام بأي تهور، لأسباب موضوعية تتعلق بعدم جهوزية جيش الاحتلال وعدم قدرة سلاح الجو على حسم أي معركة، أما المسار الثاني فإنه يتمثل في تفاؤل الأمين العام لحزب اللـه في الصلاة بالقدس.
ما بين عدم توقع نشوب عدوان إسرائيلي وصلاة السيد بالقدس، يُطرح مقاربة قائمة على التساؤل: هل أراد الأمين العام لحزب اللـه الإيحاء بأن زمام المبادرة لإطلاق أي معركة قادمة ستكون بيد حزب اللـه ومحور المقاومة وبالتوقيت الذي يريده؟ في ظل هشاشة القدرات الدفاعية الإسرائيلية وتآكلها والتي دفعت نتنياهو للاستعانة بالمثل العربي «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن