قضايا وآراء

التمسك بأوسلو!

| د. يوسف جاد الحق

سؤال يثير الحيرة والشكوك لدى أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، منتظراً الجواب عنه هو: لماذا يتمسكون بأوسلو والتزاماتها القاتلة التي أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني حقبة طويلة من الزمن، وهو ما أضاع عليه فرصاً كثيرة متاحة لمناجزة العدو وقتاله حتى النهاية لاسترجاع بلاده ومن ثم عودته إليها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية وضع نهاية لسنوات العذاب والمرارة والتشرد والعيش البئيس، أمور غنية عن كل بيان لم تعد خافية على أحد.
الغريب هو أنه انكشف الكثير مما كان خفياً وراء الكواليس ودهاليز التآمر، ولاسيما كشف بعض أوراق صفقة القرن، وعرفت أهدافها ومراميها المدمرة والقاضية، لو قيض لها أن تتحقق، على أمل شعب فلسطين في التحرير الشامل، الذي يعيد إليه حقوقه كاملة غير منقوصة، بمعنى عودة الحق كله وليس حق العودة وحده.
لقد كان من شأن ورشة البحرين الأخيرة أنها كشفت الغطاء عن تلك المهزلة المضحكة المبكية التي جاء بها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب، وكيف استرخص كلاهما المسألة، التي شغلت الدنيا بأسرها، بما طرح من أفكار فجة، ومن ثمن بخس لإنهائها استهتاراً بالعرب واستصغاراً بشأنهم ولاسيما بعد أن وجه الرئيس الأميركي لملوك وأمراء منهم من الإهانة ما لا يحتمله فرد عربي عادي ذو كرامة وعزة.
خمسون مليار دولار، عربية المنشأ، هي كل ما تصوره رجل العقارات وصهره، مغرياً الفلسطينيين بالتنازل عن حقوقهم الوطنية والقومية والحياتية. وقد غاب عن علمه ومعرفته ما لا يمكن أن يخطر ببال أمثاله. لن ندخل في غمار الحديث في هذه المسألة، لأنها لا تستحق ذلك، لما تنطوي عليه من هزال.
هل هناك بعد هذا كله من يرى في بقاء أوسلو صاحبة التنسيق الأمني مع العدو، حاملة أفكار التسويات والمفاوضات والمساومات العبثية المضيعة للوقت والجهد، وربما قاتلة الأمل بالخلاص؟ هل بعد هذا كله من يجرؤ على تبرير التمسك باتفاقية كهذه، هي في أصلها وسيلة تمكين للعدو لمواصلة اغتصابه لديارنا، ومصادرة ثرواتنا وحرياتنا، فضلاً عن حقوقنا التاريخية الأزلية منذ آلاف السنين.. وقبل أن يظهر للوجود بنو إسرائيل هؤلاء؟
في يقيني أن أوسلو كانت، منذ البداية، ضمن مخطط تآمري يقتضي تنفيذه زمناً قدِّر في حينه بربع قرن أو نحوه، توطئة للوصول إلى تصفية المسألة الفلسطينية تماماً بالضربة القاضية. ذلك عندما يحين الوقت، وقد حان في نظرهم الآن، لتمرير ما سموه صفقة القرن العتيدة الوضيعة في الوقت نفسه، الأمر الذي يحملنا على الاعتقاد أيضاً أن أوسلو كانت تمهيداً مسبقاً ومبيتاً لصفقة القرن هذه، وأنها لم تكن لتوجد أصلاً إلا خدمة للأهداف الصهيوأميركية المعادية لفلسطين وسورية وحلف المقاومة من جهة، ولتكريس الوجود الصهيوني الدخيل المحتل كأمر واقع نهائي في أرضنا من جهة أخرى، ومن ثم ضمان بقائه فيها إلى الأبد وفق تصريحات صادرة عن مسؤولي كيانه العنصري الذين كان من أهم التزاماتهم منع أي مقاومة أو انتفاضة مسلحة في وجه العدو، ولا يفوتنا في هذه المناسبة التذكير بأقوال للسيد رئيس السلطة من قبيل قوله ذات مرة بأن التنسيق الأمني مع العدو مقدس! وقوله في مرة أخرى إنهم إذا حلّ السلام فسوف يكونون جيراناً طيبين! وقوله على رؤوس الأشهاد بأنه لن يسمح بقيام انتفاضة مسلحة وكأن أبطالها وقياداتها المخلصة تنتظر الإذن بالسماح لها من أي أحد.
إن الواجب الوطني والقومي الملقى على عاتق الشعب الفلسطيني هو اليوم القيام بثورة عارمة على أوسلو ومن يصر على التمسك بها والعمل على تنفيذها إرضاءً للعدو رغم كل ما جرى وما برح يجري حتى الساعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن