قضايا وآراء

النقلة الروسية النوعية الجديدة

صباح عزام :

من الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة حسمت روسيا الاتحادية موقفها بشكل قاطع لا يقبل أي تأويل أو شك، مُعلنة على الملأ أنها تقف إلى جانب القيادة السورية في مسألة الحرب على الإرهاب، إذ لم تستطع الرشاوى السعودية أو القطرية الهائلة أو التهديدات الأميركية أن تجبر موسكو على تغيير مواقفها من حليفها الإستراتيجي سورية، أو التخلي عنه.
روسيا لم تكتفِ بالمواقف والتصريحات الإعلامية، بل أكدت لزوارها من المسؤولين الرسميين العرب وغير العرب، أنها ستقدم على خطوات كبيرة وواسعة في إطار دعمها لسورية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب التكفيري، وأنها لن تحارب هذا الإرهاب على الطريقة الأميركية غير الفعالة والتي تكثر حولها علامات الاستفهام، بل ستشارك مشاركة فعلية إلى جانب الجيش السوري وقوى المقاومة الأخرى في الحرب على التنظيمات التكفيرية الإرهابية.
عندما تتخذ روسيا هذا الموقف الجاد، فهي تنطلق من إيمانها بالعلاقة الإستراتيجية مع سورية، ومن أن سورية هي بمثابة جزء من الأمن القومي الروسي، فالجيش الروسي في حربه على الإرهاب إنما يدافع عن أمن روسيا الذي تستهدفه التنظيمات الإرهابية، فتجربتها مع الشيشان لم تزل ماثلة أمامها.
وعندما تُفصح روسيا عن عزمها على تشريع نوع من الحضور العسكري في سورية سلاحاً وعتاداً، فإن هذا الأمر يُعد خطوة نوعية في العلاقة مع سورية ومشاركة فعلية للجيش السوري في حربه على الإرهاب، ما يؤدي إلى كسر قواعد اللعبة الغربية التركية السعودية على الأراضي السورية، وإلى تسريع الحسم العسكري من خلال عملية عسكرية واسعة، حيث إن روسيا ضاقت ذَرعاً بالتسويف الأميركي والمماطلة، وبكذب ممالك ومحميات النفط العربية ولاسيما السعودية وقطر، وبالدجل التركي والحرب الأميركية البهلوانية ضد داعش، وهناك تسريبات إعلامية بأن الرئيس بوتين سيعطي كل الأطراف المتورطة في الحرب على سورية مهلة حتى شهر تشرين الثاني المقبل للانخراط في التسوية المقبلة.
لاشك بأن بعض المسؤولين العرب وخاصة أزلام أميركا، ذُهلوا من الرد الروسي هذا، ومن استعداد روسيا للمحاربة إلى جانب الجيش السوري إذا طلبت منها دمشق، وعلى تزويد سورية بأسلحة نوعية جديدة، ورافق هذا الذهول خوف على عروشهم وأنظمتهم، لجهة أن الجماعات الإرهابية التي مولتها وسلحتها سيكون فرارها باتجاه أراضيهم ما يزعزع الاستقرار في كياناتهم المُهترئة.
إنها نقلة نوعية إستراتيجية روسية تجاه سورية تُشكل تطوراً لافتاً في الموقف الروسي مما يجري في سورية وهذا ليس مُستغرباً أو مفاجئاً، فسورية حليف إستراتيجي قوي لروسيا في المنطقة، ولا نبتعد عن الحقيقة عندما نقول إنها الحليف الوحيد منذ عقود من الزمن، بالتوازي مع ذلك، فإن موقع سورية الجغرافي وحدودها المشتركة ودورها المحوري سياسياً وفي الحرب على الإرهاب، يدفع روسيا إلى مثل هذا الموقف الحاسم، إضافة إلى أن سورية تؤمن لروسيا حضوراً بحرياً في البحر المتوسط يكون مدخلاً قوياً لها أيضاً إلى شمال إفريقيا وأوروبا.
لقد ازداد قلق دول الخليج وتركيا من هذه الخطوة الروسية ولاسيما أن الأوضاع الداخلية لهذه الدول ليست على ما يرام. فالسعودية يزداد غرقها في المستنقع اليمني الذي زجتها فيه الولايات المتحدة، وهي بحاجة إلى مخرج من هذه الورطة، وخاصة أنها بعد حوالى ستة أشهر من عدوانها المتواصل على شعب اليمن لم تستطع تحقيق أي إنجازات مهمة، بل يتضح أن خسائرها البشرية تزداد باستمرار.
أما تركيا، فقد دخلت في دوامة العنف وعدم الاستقرار بسبب سياسة أردوغان ولاسيما الحرب التي بدأها ضد حزب العمال الكردستاني، إضافة للفشل الذريع في إقامة ما يسميه المنطقة العازلة في الشمال السوري وتفويضه بإدارتها، هذا إلى جانب سحب صواريخ «الباتريوت» من منطقة الحدود السورية- التركية من قبل أميركا وألمانيا، وبالتالي، فإن ما ينتظر أردوغان وحزبه هو المزيد من الخسائر في الانتخابات المقررة في شهر تشرين الثاني القادم.
أما محمية قطر، فهي لا تزال تبحث عن دور يسلط الأضواء عليها، وتعمل على إحلال الخراب والفوضى والدمار في كل مكان، فهي تشجع جماعة «طلعت ريحتكم» في لبنان وتدعمها مالياً لخلق فتنة جديدة في الساحة اللبنانية، كما حاولت إثارة فتنة طائفية في سورية من خلال قتل الشيخ (وحيد البلعوس) في محافظة السويداء من قبل عميل وأجير ينتمي إلى جبهة النصرة الإرهابية الممولة من قبل حاكم قطر، كما تحاول بشتى السبل عرقلة محادثات (مسقط) لإيجاد حل للأزمة في اليمن.
باختصار، هناك نَقْلة روسية نوعية في سياق التعامل مع الحرب الإرهابية على سورية ستؤدي لا محالة إلى كسر قواعد اللعبة العسكرية فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن