ثقافة وفن

عبد الله واثق شهيد

إسماعيل مروة :

واحد من سلسلة العلماء الأجلاء في بلدنا سورية، علمي الاختصاص كان، لغوي الهوى عاش، أدبي الهواية كان، إنه الأستاذ الدكتور عبدالله واثق شهيد، عضو مجمع اللغة العربية في دمشق، الذي رحل عنا قبل أسابيع، مؤثراً الموت الهادئ الصامت، كما كان في حياته عاملاً بصمت، مبتعداً عن الضجيج، غير مظهر لأثره وعلمه ودوره، فما من مرة كان عبد الله واثق شهيد في الصدارة مع أنه كان مانح الصدارة للآخرين، يعطي الدور للآخرين ويبتعد بصمت!
مجمع اللغة العربية، مجمع الخالدين، كان محطته الأخيرة العلمية في حياته، وقد شهدت أروقة هذا المجمع العريق بشائر الدكتور شهيد، وحرصه على العلم ومتابعته له في كل صغيرة وكبيرة، وكان له الدور في استقطاب اختصاصيين علميين، وقد اراد كما أزعم التأسيس لحركة معجمية علمية تصدر عن مجمع اللغة، وكان له ما أراد، فظهرت كتب ومعاجم روحه تمشي في حروفها ومنهجها، ولست بحاجة لوضع اسمه على الغلاف أو في المقدمة.
وفي السنة التي اختيرت دمشق عاصمة للثقافة العربية، كان الدكتور شهيد من الذين حرصوا على أن تنجز دمشق تاريخها الكبير لابن عساكر بعد أن تعثر برحيل راهبة هذا التاريخ سكينة الشهابي، ومع ما يقال ويمكن أن يقال، فإن سكينة أعطت هذا التاريخ عمرها، وجاء من بعدها كوكبة على رأسهم الدكتور شهيد لمتابعة هذا المشروع الحضاري، وكان يطرح تساؤله: لمَ يتم إنجاز تاريخ المدائن الأخرى، ولا ينجز تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر؟!
عبد الله واثق شهيد شخص أكبر من الذاكرة، وأكبر من الألقاب، برؤيته وعلاقاته المميزة وبالثقة التي نالها وهو جدير بها استطاع أن يؤسس لسورية هيئة علمية هي الأرقى مهما قيل فيها، مركز الدراسات والبحوث العلمية، وأعطاه هيكلية مميزة لا تفترق عن أعلى مراكز البحث في العالم أجمع.. وآمن الدكتور شهيد الذي لم يكن اسمه يسبق بالشهادات ولا يقوله المتحدث كاملاً، فغالباً ما يقال «واثق شهيد» آمن هذا العالم بالبحث العلمي وخلق الكوادر المؤهلة، فوضع آليات لعمل مركز الدراسات والبحوث العلمية، قد ينال بسببها الظلم اختصاصاً أو أشخاصاً، لكن هذه الآليات تخدم المصلحة العامة والغاية من وجود مثل هذا المركز البحثي الراقي، فأولى عناية فائقة للباحثين وتأهيلهم، وقد يكون هذا المركز هو الأول من نوعه في سورية والشرق الأوسط الذي عمل على راحة الباحثين في عملهم وسكنهم وحاجياتهم، ليتفرغ أحدهم للبحث العلمي، ولم يغفل الدكتور شهيد في هذا المركز أي اختصاص علمي أو إنساني، وجعل لهذا المركز معهداً تعليمياً يتبع المركز في قوانينه واختصاصاته ومكافآته، فاستقبل نخبة الطلبة السوريين العلميين، وأعدهم إعداداً لائقاً ليكونوا رافد سورية العلمي… والذي لا شك فيه أن هذا المركز المدين بكل ما فيه من أنظمة إيجابية مدنية بحتة للدكتور شهيد استطاع أن يعطي سورية وجهاً علمياً مشرقاً لم يكن قبل، كما أسس لمستقبل علمي متميز من خلال هؤلاء الباحثين.
اليوم رحل الأستاذ الدكتور عبد الله واثق شهيد بعلمه وجسده، لكن ما تركه من آثار في طلبته وإدارته ورؤاه يبقى شاهداً زمناً طويلاً على ذاك الذي كان في المقدمة دوماً في الجهد، وكان أبعد ما يكون عن الصورة والناس!
كم من أناس لا يصلون إلى أدنى مستواه وهم على كل شفة ولسان؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن