قضايا وآراء

لنعمل على ما يجمعنا!

| د. بسام أبو عبد الله

في بداية الحرب الفاشية على بلدنا سورية عمل أعداؤنا وخصومنا على التركيز على نقاط ضعفنا، وعلى النقاط التي يمكن أن تثير عواطف الناس وغرائزهم، فكانت الساحة الدينية هي الساحة التي استهدفنا من خلالها عبر ما كتب عنه الصحفي الأميركي الاستقصائي الشهير سيمور هيرش في مقاله «إعادة التوجيه» حيث أكد أن الاتفاق تم بعد حرب تموز 2006 على إعادة توجيه الصراع من صراع عربي صهيوني، إلى صراع مذهبي، واستخدم عبارة «مذهبة الصراع في المنطقة» وخاصة أن أعداءنا يعرفون جيداً حساسية شعوب المنطقة تجاه هذه المسألة، ويعرفون أن هناك إمكانية لتوظيف الجهل وقلة المعرفة، وضعف ثقافة الحوار، لتوجيه أبناء وشعوب المنطقة نحو التدمير الذاتي بأيديهم، وعبر تجنيد «شيوخ الفتنة» ووسائل الإعلام، والأهم كميات ضخمة من المال الذي وضعته أنظمة خليجية لخدمة هذا المشروع.
كتب هيرش آنذاك بعد حرب تموز في «الـنيويوركر» أن عناقاً حصل بين السعودية وإسرائيل وبين الوهابية والإخوان المسلمين من أجل تنفيذ هذا المشروع الشيطاني، وطبعاً بإدارة الولايات المتحدة وتوجيهها، وكان التمهيد من خلال الإطاحة ببعض القيادات العميلة، أو المرتهنة لأميركا كجسر للولوج إلى «واسطة العقد» في محور المقاومة أي سورية بعد الفشل في حرب تموز 2006، انطلاقاً من قناعة أن سورية هي البلد العربي الوحيد المقاوم والممانع لمشروعات الهيمنة، وهي عقدة في المنطقة في أكثر من اتجاه:
• الاتجاه الأول: أنها تمثل نموذجاً للانسجام الاجتماعي والديني على صعيد العالم، وهي نموذج نقيض تماماً للمشروع الصهيوني العنصري الذي يعمل على إقصاء الآخر، ويرفض مفهوم التنوع، كما أنه نقيض المشروعين الوهابي والإخواني الذي يستند إلى الإقصاء والتكفير.
• الاتجاه الثاني: أنها قلب العروبة النابض، كما سماها الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر، واستمرار قيادة سورية للمشروع العروبي، يتناقض تماماً مع مشروع تفتيت المنطقة وتقسيمها، الذي يقوم على تقسيم المقسم، وتفتيت البنى الاجتماعية وتدمير الفكر القومي العربي.
• الاتجاه الثالث: أن سورية هي موئل الإسلام الحقيقي وموئل المسيحية، ولا بد من استهدافها لتدمير الدين والعقيدة، وبالمناسبة كان هدف المشروع تدمير الإسلام، واقتلاع المسيحية المشرقية من جذورها وتكريس الصراع المذهبي.
• الاتجاه الرابع: أن سورية مثلت نموذجاً سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً فريداً في المنطقة على كل ملاحظاتنا ونقاط ضعفنا، لكنها حتى بدء الحرب كانت دولة مكتفية زراعياً وذات تنوع اقتصادي وغير مديونة، ومن ثم كان لا بد من تدمير هذا النموذج.
• أما الاتجاه الخامس: فهو أنها تمتلك قائداً عروبياً ووطنياً وقومياً هو الرئيس بشار الأسد متمسكاً بالاستقلال الوطني وبالسيادة في زمن الانبطاح، وهذا القائد يجسد إرث الآباء والأجداد السوريين الذين رفضوا دوماً قضية التبعية، وقاوموا وواجهوا كل المشروعات التي أرادت الهيمنة على سورية، كما أنه يمتلك رؤية حكيمة هادئة وعلمية لكيفية الإصلاح، وأيضاً أدوات المواجهة التي تُغلب العقل والعلم والتحليل على العاطفة، والحالة الغوغائية غير المدروسة لإيجاد الحلول لمشكلاتنا والتحديات الماثلة أمامنا.
مناسبة الحديث عن هذه القضايا أن بعض ردود الفعل على ما حدث في سورية كانت تقوم على طرق معالجة قاصرة، ولا تقرأ الواقع بدقة وعناية، وإنما تتعاطى بغوغائية وبالنظرة الأحادية أو بالإقصاء للطرف الآخر، على حين إن معالجة الثغرات التي ظهرت على الساحة الدينية مثلاً كانت تستند إلى الحكمة والحوار والمواجهة الفكرية الطويلة، وليس إلى ردود الفعل الغوغائية التي قادها البعض «خبط عشواء» دون أدنى دراية بما يجب فعله، وهنا أود أن أشيد بالجهود التي تبذلها المؤسسة الدينية الوطنية السورية التي عملت بإشراف مباشر من الرئيس الأسد على عدة محاور منها:
• حوار مباشر قاده الرئيس الأسد مع رجال الدين والداعيات هدف إلى العمل على ما يجمع أبناء الوطن، وتذليل سوء الفهم المزمن لدى بعضنا.
• إنشاء أدوات علمية، فكرية لمواجهة الفكر التكفيري الوهابي والإخواني بالحجة والمنطق والإعداد الصحيح لمنهج ديني معتدل لطالما تميز به أبناء هذا البلد خاصة، وبلاد الشام عامة، ومنها مركز الشام الإسلامي الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب، الذي أتيح لي أن أزوره مع كوكبة من الرفاق البعثيين قبل يومين، حيث أجرينا حواراً راقياً وحضارياً مع وزير الأوقاف خلصنا من خلاله إلى أن بناء الوطن، ولملمة جراحه ليست قضية جهة واحدة إنما قضية كل مؤسسات الدولة وأحزابها وقواها الوطنية، وأن مواجهة التحديات لا تكون بإثارة ما يفرق الناس، أو بالطروحات التي لا تجمع ولا توحد بل تخدم أعداءنا وخصومنا.
ما أدعو إليه الجميع أينما كان موقفهم السياسي أو اتجاههم الأيديولوجي، أن يدركوا أن الحوار المنفتح الراقي والاطلاع على ما تقوم به مؤسسات الدولة، وإنتاج الأفكار الجديدة، ورفض التقوقع والانغلاق هو الطريق الأمثل لنا كسوريين، ولا طريق آخر لأن الطرق الأخرى مغلقة بائسة يائسة، وبعض السوريين جربوها جميعاً، ولكن لا خلاص لنا إلا بتكاملنا، وبالابتعاد عن كل ما يفرقنا، أما نقاشنا وحوارنا فيجب أن يكون لتطوير الواقع بالأفكار والعمل، وليس بالجدل السفسطائي الذي لا ينتج شيئاً إلا ضياع الوقت وتوتر الأعصاب.
ما أقوله ليس إغلاقاً لباب الحوار والنقاش أبداً، إنما لفتحه على مصراعيه لكن بطريقة حضارية سورية وطنية، تعمل على وحدة أبناء الشعب والتنافس في تقديم الأفضل.
الساحة مفتوحة للجميع للعمل، فلا تحسدوا الآخرين على نجاحهم، وإنما اعملوا بصدق كل في مجاله، فالفضاء مفتوح للعمل والإنتاج، والحوار بوابة حقيقية لتقدمنا، وتجاوزنا لنقاط ضعفنا، من أجل سورية قوية، وهذا البلد الذي نطمح لتعزيز قوته سيكون قاطرة للعروبة الحقيقية وليس المزيفة، وللإسلام الحقيقي وليس الوهابي، وللمسيحية المشرقية وليس المسيحية الصهيونية.
لنعمل معاً على ما يجمع شعبنا، ونبتعد عن كل ما يفرق الناس، وهذه أحد بوابات المواجهة وإسقاط أهداف المشروع الذي ما زال يستهدفنا.
قوتنا في وحدتنا وتضامننا، وليس في تفرقنا واختلافنا، والأهم هو صدقنا وإيماننا بمستقبلنا الذي نصنعه بأيدينا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن