ثقافة وفن

عمره تسع السنوات وفنان بعمر الفن … هادي حرفوش لـ«الوطـن»: يهمني أن أرسم وأستمتع

| سوسن صيداوي

أنامل صغيرة تمزج الألوان، وتلهو مع الأفكار كي تقوم بالتغييرات، ليصل الرسام بعد أن تأخذه اللوحة-لا العكس-إلى النتيجة المطلوبة. الطفل هادي بشار حرفوش. موهبته بالرسم بدأت من باكورة عمر، الطفل حينها غير قادر على تمييز الأشياء مع استخدامها، لكن طفلنا أحبّ الألوان وعلى الخصوص البرتقالي والأصفر، مع ميل نحو اللون الأسود، مازجا إياها ومنطلقا في مرسم مدرّسته في ساعات قد تكون طوال، حسب مزاجه في إنهاء لوحته. مؤخراً شهد الوسط التشكيلي ظاهرة تعتبر سابقة لطفل غزير الإنجاز وقادر على ملء صالة العرض، لأعمال توقف عندها أصحاب الاختصاص وأعجبوا بها وقاموا بتقييمها رغم أنها لوحات طفل، المعرض افتتح في المركز الثقافي العربي- أبو رمانة، بعنوان «شمس» متضمناً ثمانياً وخمسين لوحة متنوعة الأحجام، مستخدما ألوان الغواش والإكريليك.

في الجانب الطفولي
الحديث والتعبير عن النفس يتطلب ثقة وجرأة، مع حضور مُؤمن بالمكنونات والقدرات، وكيف إذا كان هذا الأمر صادراً من طفل تجاوز عمره تسع السنوات. لقد أخبرنا هادي حرفوش عن هواياته وعشقه للرسم بصوت يملؤه التفاؤل والتصميم مع الإدراك التام لأهدافه بالحياة، فيقول «عمري تسع سنوات وأنا في الصف الرابع الابتدائي، أكثر مادة أحبها وأدرسها بمتعة هي الرياضيات، ولكنني أكره اللغات الإنكليزية والفرنسية. أما بالنسبة للهوايات التي أستمتع بها بصراحة، فلا يوجد إلا الرسم».
براءته وجدت الأعذار لأصدقائه وزملائه في المدرسة الذين لم يأتوا لحضور معرضه، مشيراً بكلام كلّه عقلانية نعجز نحن الكبار عن خلق تبريرات بمثل ظرف كهذا: «افتتح المعرض في منتصف الأسبوع، ما صعّب على زملائي وأصدقائي الحضور، وبالمقابل حضر الكثيرون من الفنانين التشكيليين والمهتمين من الأصدقاء والأقارب وغيرهم».
وأخيراً في سؤالنا عن حلمه بما سيكون بالمستقبل، ختم قائلاً: « ليس شرطاً أن أصبح رساماً مشهوراً ولكن يهمني أن أرسم وأستمتع».

في الجانب التربوي
السيدة ياسمين حيدر والدة هادي حدثتنا بلسان الأم عن موهبة ابنها قائلة: «لقد اكتشفنا موهبة هادي بالمصادفة عندما كان بعمر سنتين تقريباً وهو في الروضة، حيث طلبت معلمته أن أشاهد تميّزه بالتلوين عن زملائه، وحصل بعدها أننا أصبحنا نُحضر له الألوان وذلك بتوجيه من رسامة في الأمانة العامة السورية للتنمية، بوقتها كانت ضمن فعالية، وطلبت منا أن نُحضر له الألوان، كي يفرّغ العنف الذي بداخله، عندما سألته أن ترسم له شيئاً على وجهه، فأخبرها بأنه يريد دبابة ودماً وأموراً كهذه».
أما عن هوايات الطفل واهتماماته الأخرى فتضيف إن هادي يحب الرياضيات كثيرا، ويميل في الوقت الحالي إلى الروبوتات «لا ميل لديه إلى الموسيقا، فقط اكتفى بالفنون: بالرسم والألوان، والآنسة زينة طعطوع تعلمه استخدام الأدوات الجديدة والألوان، وهو يرسم بالغواش والإكريليك، ويذهب بطريقة منتظمة يوم الجمعة إلى مرسم الآنسة طعطوع، وهناك يمكن أن يرسم لمدة ثماني ساعات وأحياناً يذهب للمرسم ولا يرسم شيئاً».
وفي ختام الحديث أعربت حيدر عن سعادتها يوم افتتاح المعرض الذي احتوى ثمانياً وخمسين لوحة، لافتة إلى أن الفنانين الذين زاروا المعرض وفوجئوا باللوحات وتمعنّوا بها واعتبروا هادي فنانا بالفطرة، لكونه قادراً على موازنة الظل والضوء وحريته في استخدام اللون الأسود بحرية، الأمر الذي يتطلب تقنية عالية عند الفنان، وفي الختام شددت قائلة: «أتمنى من الأهل ألا يحصروا أطفالهم بالمدرسة فقط، ففي الحياة الكثير من النشاطات والأمور التي تُغني إدراكهم وتُنمّي مواهبهم، حتى يتسّع أفقه، فالمدرسة وحدها لا تكفي ليتمكنوا من عيش الحياة بالمستقبل».

في الجانب الثقافي
من جانبها عبّرت مديرة ثقافي أبو رمانة رباب أحمد عن فرحتها الكبيرة بموهبة الطفل هادي حرفوش، علما أنها تلبي رغبة كل الأطفال في عرض أعمالهم في صالة المركز، ولكن بشأن هادي بالذات أكدت: «لقد فرحت جداً لموهبة هذا الطفل المميز عن أبناء جيله في الرسم، فهو طفل ذكي جداً وموهبته قوية وأعماله مدروسة، هذا ليس رأيي فقط بل رأي الزوار من الفنانين التشكيليين، حيث تدل على الاهتمام الواضح من الأهل والمدّرسة المختصة في تعليمه الرسم. وما دفعني لهذا الإعجاب الكبير أمران، الأول الطفل هادي عمره تسع سنوات وهو في الصف الرابع، ثانيا لديه غزارة بالإنتاج، وهذا أمر لا نجده عند الأطفال وعلى الخصوص من هم بعمره، وأيضاً هذا المعرض هو أول معرض فردي أقيمه لطفل في مركز أبو رمانة، فهناك الكثير من الأطفال الذين يشاركون ولكن ما أركز عليه أنه ليس لديهم الكم الكافي لتمتلئ الصالة».
وعن الأصداء في افتتاح المعرض لفتت أحمد إلى أنها كانت رائعة ومتوقعة وقالت: «لقد حضر الكثير من الفنانين التشكيليين تباعا، والكل كان معجباً بهذه الموهبة، وهنا أشير إلى أن لوحات الأطفال لا تُقيّم، ونحن نشجعهم على كل ما يرسمونه، ولكن كيف إذا كانت اللوحات مميزة ورسمها طفل لديه مشروعه الخاص ويقدم الألوان بشكل قوي، وحتى إنه انتقل إلى مرحلة التجريب اللوني. والأهم من هذا كلّه النقطة التالية: إن هادي لا يرسم بالطريقة النمطية التي اعتادها الأطفال بالمدارس، فأسلوبه مختلف بلوحات مدروسة وبالإكريليك والمرسومة بالريشة العريضة».
وقد ختمت حديثها بضرورة التوجه في تربية الطفل إلى منحه مساحة من الحرية مع اللجوء للفنون متابعة: «الطفل هادي أُعطي حريته، وهنا أقول لو كل طفل مثله أخذها لأبدع، وهذا يعود للبيئة وللعائلة وللتدريس لإغناء الموهبة. وأختم بالقول: «إنّ الطفل هو مشروع سورية الحقيقي، وعلينا أن نعمل بجدية لبنائه تربويا وفنيا، واليوم عندما نعمل على تنمية مواهبهم المتنوعة وبكل المجالات نكون قد أمنّا لهم الحماية من العنف، وفرّغنا كل طاقاتهم السلبية، من خلال علاج نفسي حقيقي مهما كان ما يعانيه من تنمّر وتعنيف أو اضطهاد أسري، وأخيراً لو أننا نرّكز على تربية أطفالنا تربية فنية فسننجح بمساعدتهم على تجاوز آثار الأزمة وبتأهيلهم كي يكونوا بالفعل عماد المستقبل الحقيقيين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن