ثقافة وفن

هل ينجز مشروع البيئة الشامية اللائق؟

| عماد نداف

كسر الكاتب الدرامي الدكتور فؤاد شربجي التوقعات التي انتشرت حول مصير نص الجزء العاشر من مسلسل (باب الحارة)، بالذهاب بعيداً في مشروع آخر، لم يفصح عنه بعد، وتمكنت صحيفة «الوطن» من الحصول على ملامحه التي تشير إلى مسألة مهمة تتعلق بالنص الدرامي السوري والجدل الكبير الذي يجري في سورية حول تدهوره وتراجع السوية العالية التي كانت تتسم بها صناعة الدراما التلفزيونية السورية.

وقد عُرف عن مشروع الكتابة التي خاض به الكاتب المذكور الكثير من المعطيات، إلا أن انخراطه في كتابة الجزء العاشر في (باب الحارة) نال استغراب من يعرفونه، رغم أن النص لم يصور بعد، ودخل في متاهات الخلافات التجارية المالية الجارية في أروقة القضاء بين شركة ميسلون المنتجة التي يديرها المخرج الكبير بسام الملا، وبين شركة قبنض التي اتكأت على نص كتبه مروان قاووق وصورت الجزء العاشر قبل حسم القضاء لحق ملكية مشروع باب الحارة.
وقبل توضيح الاتجاه الذي يذهب إليه الدكتور الشربجي، وفقاً لما حصلت عليه صحيفة «الوطن»، لابد من الحديث عن جانبين نقديين مهمين يتعلقان في التداخل المذكور:
أول هذين الجانبين أن الدكتور فؤاد شربجي، كما نرى، أقدم على خطوة غير مقنعة بكتابة الجزء العاشر من باب الحارة، فما من متابع للكتابة الدرامية إلا وسجل مآخذ على هذا المشروع، رغم شهرته الكبيرة، فاعتبر باب الحارة عملاً مسيئاً للبيئة الشامية كوعاء اجتماعي له تاريخه وميزاته وظروفه التي تتعلق بالمكان والزمان والإنسان الذي يعيش فيها.
كذلك ظهرت أكبر التشويهات في باب الحارة على هذا الصعيد، فإذا هو يشوه صورة البيئة، ويحولها إلى بيئة قبضايات وصراخ وعراضات وانحدار في قيمة المرأة وجهل السكان وغير ذلك.
مع ارتفاع النقد تجاه هذه المسائل، حاول بسام الملا إصلاح الرأب في المشروع الذي يعمل عليه، واتضح أن اللجوء إلى الدكتور الشربجي هو في هذا الاتجاه، ولكن الدكتور فؤاد تورط في ذلك (إذا جازت العبارة)، تورط في إصلاح تشوهات ترّسخت في الذاكرة وكان ينبغي أن ينأى عنها ويطرح المشروع البديل الذي تسعى إليه الدراما السورية في تعاملها مع البيئات السورية التي تشكل الجديلة الوطنية للشعب السوري.
وثاني هذين الجانبين، أن تسويق أجزاء باب الحارة الناجح جداً، كان ينبغي أن يطلق طاقات الكتابة باتجاه آخر، متنوع على الأقل، فيما جاءت الترقيعات التي تمت في الأجزاء التسعة لتزيد التشوه بدلاً من إصلاحه خاصة أنها تمت بشكل عشوائي ودخل عليها موضوع الاستهتار بالتأليف وعبر ترك الأمر للممثلين الأساسيين ليعدل كل منهم دوره كما يحب ويشتهي فكانت النتيجة هذه الخلطة غير المتجانسة والبعيدة كل البعد عن التكامل الرامي والفكري وزادت الطين بلة.
فهل كان الدكتور فؤاد شربجي محقاً في الدخول على مثل هذا الخط الذي لا ينسجم مع أسلوبه ولا يصب في صالحه وصالح سمعته التي أنتجت أعمالاً رائدة في البيئة الشامية مثل:
أبو كامل، والنصية، والخشخاش، والداية وغيرها..
إن هذا السؤال يأخذنا إلى المنتج الدرامي المتعلق بالبيئة الشامية الذي اشتغل عليه الدكتور فؤاد انطلاقاً من الجزء الأول في مسلسل (أبو كامل) الذي شغل الرأي العام أثناء عرضه، ودفع الجهة المنتجة إلى إنتاج الجزء الثاني منه. وقد تلا هذا المسلسل عمل درامي خطير ومهم يتعلق بالمخدرات وهو الخشخاش، وكان ذلك في مطلع التسعينيات من القرن المضي (عام 1991).
استكمل الدكتور الشربجي مشروعه عن البيئة الشامية في أعمال تالية نذكر منها:
• مسلسل بنت الضرة وأنتج عام 1997.
• مسلسل النصية وأنتج عام 1998.
• الداية وأنتج عام 2003.
وهي أعمال معجونة بالحياة والدلالات الاجتماعية المتعلقة في تلك البيئة، وهذا يعيدنا إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبه في الدخول على الخط لإصلاح الثيمة التي يشتغل عليها باب الحارة.
ففي كل ما قاله الدكتور فؤاد حول هذا الموضوع، تبرز حساسيته في الكتابة عن البيئة الشامية، فقد كان صريحاً في حديثه عن مسلسل (باب الحارة) قبل أن يكتب هو الجزء العاشر منه على أساس أن المسلسل بلغ حداً من السخف لم يعد يحتمل وأنه تسبب بما يكفي من الإساءات للمجتمع الدمشقي. ولتلافي كل ذلك لجأ المنتج والمخرج بسام الملا إليه لينقل العمل إلى مسار آخر أشد تماسكاً «درامياً». وأكثر فهماً «واحتراماً» للبيئة الشامية ومحتواها الإنساني والحضاري.
كان الاتفاق، كما هو معروف، أن يقوم الدكتور شربجي بكتابة قصة جديدة. تحترم عقل المشاهد. وتحترم المجتمع الدمشقي الحضاري البعيد كل البعد عن ما قدمه باب الحارة بأجزائه المتتالية. وهكذا كان الاتفاق، كما قالت أوساط مقربة من بسام الملا، الاتفاق على كتابة قصة جديدة في مناخ باب الحارة. للاستفادة من جمهور العمل ولتحقيق الارتقاء الفني والفكري. وهذا ما ثبته صاحب حقوق وفكرة واسم باب الحارة بسام الملا في تعاقده مع د. شربجي الأمر الذي رأى الكاتب فيه استجابة لرؤيته في أخذ باب الحارة إلى ما يُعبّر حقيقة عن دمشق وأهلها وهذا ما جعله يتأكد أنه لا يتورط أبداً في تهافت باب الحارة. بل هو يخلص دراما باب الحارة من تهافتها بتقديم البديل الروائي المعبر عن التفاعل الحضاري في بيئة المسلسل.
وهنا نستخلص من كل هذه المعطيات مسألة مهمة في الجانب الإنتاجي والتسويقي للدراما التلفزيونية السورية، وهي أن عجلة إنتاج باب الحارة ينبغي أن تستمر لأنه في (الصيغة الإنتاجية) عمل مربح ويغذي الشركة المنتجة بمدد مالي يساعدها على إطلاق أعمال جديدة، وقرأنا ما يفيد بتلك الأعمال في التقارير التي نشرت أخيراً عن مشروع شركة ميسلون وبسام الملا.
والمستدرك هنا، أنه إذا كان تسويق العمل مكفولاً، فمن المفيد إحداث النقلة المطلوبة في النص التي تكفي نفسها شر النقد والهجمات على باب الحارة.
في المقابل، كثيراً ما سمعنا الدكتور شربجي يردد أنه أنجز في نص الجزء العاشر ما يفتح مساراً جديداً لباب الحارة. يجعله تعبيراً «روائياً» عن دمشق ابتداءً من مطلع الأربعينيات ليؤرخ بالدراما لمرحلة مهمة من حياة دمشق. مع الاحتفاظ بابتكار المتعة الفنية. كل ذلك ساقه الدكتور شربجي ليرد علينا عندما لفتنا نظره إلى احتمالية تورطه بباب الحارة مؤكداً أنه أنجز نصاً يفتخر به ويثق بمردوده لدى المشاهد.
في هذا الإطار نُقل عمن قرأ النص كما تسرب من لجنة التقييم أنه نص ممتاز. وهذا ما جعل الدكتور شربجي يتساءل أكثر من مرة: عندما كان باب الحارة سخيفاً «احتفلت كل الجهات به. وعندما أنجزنا له مسارا» جيدا «شارك الكل في عرقلته ودعم النسخة التي تعيده سيرته الأولى» أين شيوخ الكار؟! وأين الجهات التي تهتم بالجودة الفنية الثقافية الحضارية؟ المهم وبعد كل ذلك ما إن اتجه العمل للتصوير حتى ظهر النزاع المالي التجاري على حقوق الجزء العاشر. ولاحظ الجميع أن د. شربجي نأى بنفسه عن هذا النزاع (وأعتذر عن المشاركة في السجال الذي أجرته «الوطن» وقتها. وأبلغنا في حينه بوضوح أنه لا يدخل في أي نزاع مالي تجاري). وما لبث أن ابتعد نهائياً عن الخلاف المالي حول باب الحارة وعن النزاع التجاري حوله. وحسب ما نقل عنه. فإن د. شربجي اعتبر أن هذا النزاع تجاري مالي لا يعنيه ولا يهمه وليس له يد فيه لأن همه الوحيد الارتقاء بالكتابة ومحاولة تحقيق مستوى أعلى من الإبداع.
لذلك فهو كما يبدو يستكمل ابتعاده بالتبرؤ من هذا النزاع التجاري المالي. ويبتعد عن هذه المشكلة التي عرقلت إنتاج الجزء العاشر. متجهاً «إلى عمله الجديد المتحرر من كل ما يمت لهذه القضية بصلة والساعي إلى تحقيق نقلة درامية أخرى من المفترض أن تعجب وتثير شهية الجمهور» كما نقل عن لسانه.
ترى هل ستكون المعطيات الجديدة تجاوزاً لما حصل؟!
حسب المصادر والمعلومات التي تسربت عن مشروع الدكتور فؤاد الجديد، فإنه أنجز نصاً لمسلسل جديد من نوع الدراما المعاصرة ويقوم هذا النص بطرق أبواب الحاضر عبر الغوص في العلاقات الاجتماعية وصراعاتها ومعاناتها وتحولاتها.
ولأن الدراما التلفزيونية الحالية تتطلب في ظروف الإنتاج الجديدة نصاً نوعياً فإن ما كتبه اتجه لتكوين رواية تلفزيونية درامية تحرص على تحقيق المتعة والفائدة. ويجري الآن العمل لوضع النص على سكة الإنتاج عبر البحث عن جهة إنتاجية محترمة ومهنية.
العمل ينتمي للحاضر المعاش بشخصياته وصراعاته ومعانيه ويدور حول أسئلة الإنسان حول معنى ما جرى وما يجرى وما سيجري ودور الحب في العلاج مشاكل الحياة وما تسببه الشهوة الطامعة بالمجتمع والإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن