ثقافة وفن

العالم الوهمي

| د. اسكندر لوقا

من لا يعمل لا يخطئ. هذا مبدأ معروف لدى كل الناس. وثمة مبدأ آخر متعارف عليه بينهم وهو من يعترف بأنه ارتكب خطأ يؤكد فضيلته وهذا يحتاج إلى مزايا خاصة بينها الجرأة في مواجهة الذات ولكن للتهرب من هذه الميزة عادة يلجأ مرتكب الخطأ إلى مبررات.
إن الخطأ ليس عيباً في حد ذاته وإن يكن ليس سهلاً العودة عنه على نحو ما عناه شكسبير بقوله إن العودة من منتصف النهر إلى أوله كمتابعة السير إلى شطره الآخر من حيث التعرض للبلل. وفي هذه الحالة ربما كانت القضية تتوقف على إمكانية التقدير عند مرتكب الخطأ في عمله، وهذا لا يؤثر في المبدأ في أي حال لأن الاستثناء لا يؤثر في القاعدة كما لا يؤثر الظل في مواقع المعالم التي يقع عليها ولا الصبغة على حقيقة قسمات الوجه.
إن الإنسان، غالباً من يكتسب معرفة أو خبرة من الخطأ، وبهذا المعنى يغدو الخطأ عنصراً من العناصر العديدة التي تصنع المصير المرتكز على الفهم وغالباً أيضاً في حال تكرار الخطأ الناجم عن الجهل أو عدم التركيز على خصوصيات العمل وطبيعته، هذا فضلا ًعن أن عالماً قائماً بغير أخطاء يبقى عالماً وهمياً لأن الإنسان المجرد من الخطأ أيضاً هو إنسان غير موجود. وحين يرتد مرتكب الخطأ إلى نفسه، يجدد المبرر إن كان صادقاً معها كما يوجد المبرر لسواه. المهم أن يكون الخطأ المادي لا المعنوي خطوة إلى الأمام وإن تكن ضيقة في بعض الحالات بحيث لا تقود صاحبها إلى القاع أو تستدعي السؤال كما سؤال السيد المسيح المتجمهرين لرمي المرأة الزانية بالحجارة من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!
في هذا السياق، يجب تأكيد الفرق بين الخطأ والخطيئة التي يرتكبها الإنسان الضال أو المغرر به. الخطأ في مجال العمل وممارسته، غير الخطيئة التي ترتكب في العتمة ويكون لها صداها بين الناس وتستدعي الحكم عليها جزاء الفعل المشين.
بهذا المعنى قد يكون مبررا القول: إن الخطأ في العمل من مبررات حدوثه العمل ذاته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن