من دفتر الوطن

أولويات حكومية.. وقمامة!

| فرنسا - فراس عزيز ديب

قبل أمس تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورتين جديرتين بالاهتمام من قلب سورية:
الصورة الأولى هي لأحد المباني الحكومية حيث جرت الانتخابات الفرعية لإحدى النقابات. بدت الصورة مزعجة فعلاً تحديداً أن أرض المبنى كانت ممتلئة بالأوراق ولوائح المرشحين المبعثرة وغيرها من مظاهرِ الفوضى، فجعلتنا نتساءل:
هل حقاً أن جزءاً من الذين مارسوا حقهم الانتخابي يعون فعلياً معنى عبارة «النظافة حضارة»، قبل أن يعوا معنى «التصويت حق؟».
أما الصورة الثانية فهي للمجرى الذي يحيط بقلعة حلب، وقد تحول إلى أشبهَ بحاويةِ قمامةٍ كبيرة لفضلاتِ الزائرين أو العابرين على الطريق الذي يحيط بالقلعة، مشهدٌ لا يليق بهذه المحافظة ولا بإحدى أقدم القلاع القائمة في العالم، مشهدٌ جعلنا نتساءل:
هل حقاً أن من لا يمتلك احتراماً للمكان ورمزيته سيفهم معنى زيارته؟
ربما تختزل هاتان الصورتان المشهد العام تماماً، من الطرقات الدولية إلى الحدائق إلى الدوائر الحكومية وصولاً إلى الشوارع، حيث لا احترام ولا اهتمام بكل ما يمكننا تسميته «عام»، وعندما يتم الحديث عن هذهِ الظاهرة التي باتت متفاقمة اجتماعياً نجدُ أنفسنا أمام صراعِ تبريراتٍ وهروب من المسؤولية بين المواطن والحكومة.
يقول المواطن إنني لا أريد رمي قمامتي الشخصية في الشارع، لكن هذا يتطلب من الحكومة عملياً أن تؤمِّن لنا حاويات قمامةٍ صغيرة في الأماكن العامة، كذلك الأمر الاهتمام بثقافةِ الاعتناء بـ«المراحيض العامة»، هم لا يعتنون حتى بالكثير من الأنفاق والجسور المخصصة للمشاة فتراها بؤرَ قذارة، فكيف لهم أن يلوموا المواطن؟
جزئياً يبدو هذا الكلام منطقياً، لكن هذا لا يعني أبداً أن الحكومة يجب أن تضع حاويات على الطرقات السريعة مثلاً لضمان عدم رمي بقايا القوارير على الطرقات، هذا لا يعني أن على الحكومة مثلاً المجيء إلى داخل المبنى الذي جرت فيهِ الانتخابات بحاوية ضخمة، هناك جزء من ثقافة الرقي في التعاطي مع هذه الأمور بدأنا نفقده كمواطنين على المستوى الشخصي، وهنا تكمنُ الكارثة!
في الطرفِ الثاني، تكثر التبريرات الرسمية عن هذا التقصير، فهناك مثلاً من يتذرع بتأخر البلديات في جمع القمامة بعدم توفر الوقود الكافي، لكن المواطن ما عاد يصدق كذبة كهذه تحديداً وهو يشاهد مسؤولي البلديات يتجولون بالسيارات الحكومية، تُرى كيفَ يتم تأمين الوقود لها؟ ثم كيف سنبني جيلاً يتعاطى باهتمامٍ مع مسألة النظافة الشخصية والعامة ونحن عاجزون في معظمِ مدارسنا العامة عن تأمين دورة مياه نظيفة لهُم، أو إجبار المستخدمين على القيام بعملهم وتنظيفها؟ إلا إن كنا نظن أن دروس «الطهارة» قادرة أن تفي بالغرض، لنعلمهم أولاً طهارتي القلب والعقل فهما الطريق للوصول نحو طهارةِ الجسد لا العكس، ومن لا يصدق فليذهب في جولةٍ إلى المدارس الرسمية ليرى واقعَ ما فيها من دوراتِ مياه!
كذلك الأمر هناك من يتحدث عن الأولويات، لكن من قال إن موضوع النظافة ليس أولوية؟ نحن نتحدث عن مرحلة وصلنا فيها إلى ظهور مكبات غير نظامية لجأ إليها المواطنون بسبب ضعف وترهل عمل البلديات، هذه البؤر على المدى الطويل ستكون مشكلة بيئية ومنابعَ أمراضٍ يصعب حلها. ربما إن صراع الأولويات يأخذنا لفكرةِ إعادة الإعمار، أليس من الأولويات عند دراسة إعادة إعمار منطقة التفكير بمعالجة القمامة بطريقة تضمن إعادة تدويرها بعيداً عن المناطق السكنية؟
في الخلاصة: دائماً عندما نتحدث عن الفساد في سورية نكاد نجزم أن الفساد انتقل من كونهِ «حالة» إلى كونهِ «ثقافة» ساهم التقصير بمعالجته ليصبحَ حلقة مغلقة يصعب تفكيكها، اليوم يبدو التعاطي المترهل مع النظافة العامة والشخصية يتحول تدريجياً إلى «ثقافة» يتقاذف مسؤليتها كل من المواطن والحكومة، وعلى المستوى الشخصي بين المواطن والحكومة فأنا حكماً سأنحاز للمواطن، على الأقل حتى يأتي اليوم الذي تُشعرني فيه الحكومة أنها تقوم بواجباتها حتى على مستوى دورات مياه للأطفال!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن