قضايا وآراء

بين «الرايات السود» و«القمر الأحمر»… ماذا بعد قمة (أوباما – بوتين)؟

فرنسا – فراس عزيز ديب :

لكم «قمركم الأحمر» الذي تدَّعون أن احمراره ناتج عن اقترابه من الأرض، ولي قمري الأحمر الذي أراه نوراً انعكست بين حناياه صورةٌ لدماءِ الأبرياءِ في وطني.
لا تسقطوا الماورائيات من حساباتكم في كل ما يجري، قلنا هذه العبارة منذ أسبوعين، بعدها بأيام وقع حادث التدافع في مكة.
ليست المشكلة بأن الحجاج قضوا موتاً بمعزلٍ عن السبب، لكن هل شاهد أحد ما تلك الطريقة المهينة التي تم التعاطي بها مع جثث الضحايا؟ عندما تتحول المناطق المقدسة لمسلخٍ بشري، فلا تنتظروا من السماء أن تلعن القائمين على هذه المجزرة وغيرها إذا لم تنهضوا أنتم لتلعنوهم، فالسماء تغضب، لكنها لن ترفع السلاح بالنيابة عن أحد. لم تشاؤوا حتى الآن أن تُقرّوا بأن «آل سعود» وبكل جرائمهم الإنسانية والأخلاقية يرتكزون لفرضيةٍ أساسيةٍ: من أمن العقاب أساء الأدب…
أي عقابٍ سيخشاه «آل سعود» وجلُّ ردود أفعالنا ارتكزت على الاستنكار والإدانة، وبأحسنه الدعوة لجعل الحج مسؤوليةٍ «إسلاميةٍ»، وهناك من ذهبَ بعيداً بالدعوةِ لوضعِ الأماكن المقدَّسة تحت وصايةٍ دوليةٍ أو إسلاميةٍ، وهو من دون أن يدري يقدم لـ«آل سعود» خدمة جليّة، لأن هذا الطرح سيقدِّم الجاني كضحيةٍ، وهناك من يحاول انتهاك سيادته، فماذا لو طُرح مثلاً أن تقوم جميع الدول التي تمتلك أماكن مقدسة بوضعها تحت إشراف لجانٍ إسلامية، هل سيقبل الجميع بذلك؟ بالتأكيد سيكون الجواب بالرفض، وماذا عن القدس وسعي الكيان الصهيوني لتفتيتها ووأد حلم الدولة الفلسطينية؟ إذاً ما الحل؟
لا يوجد حل، الحل الوحيد هو بتحرير الأماكن المقدسة من احتلال «آل سعود» لها، الحل هو بانتزاع هذه الطغمة المتخلفة الجاثمة على صدورنا، تخلفٌ تجلى بأبهى صوره عندما خرج علينا «عادل الجبير» ليقول إن مملكته تتحفظ على بيانٍ أممي فيه بند يتحدث عن ممارسة الجنس خارج الزواج؟ نعم يا سادة، الأمة غارقةٌ بالدماء من شرقها لغربها، ونحن في مرحلةٍ نشهد فيها ظهور دولٍ وتفكك أخرى، والرجل همه الأساسي الآن، بل محاولة تطهير الغرب من رجس «الجنس خارج الزواج»، لأنه و«العياذ بالله» أحد أهم أسباب إعاقة التطور في الدول، لكن عن أي دولٍ نتحدث؟ أمةٌ تمتلك أكثر من 20 دولة أين هم قادتها، أليسوا أساساً بحالة زواجٍ غير شرعي مع الأميركي و«الإسرائيلي»؟
حتى من يلقبونه بـ«وريث عبد الناصر» عندما أراد التفكير خارج نطاق «الزواج غير الشرعي»، طالعنا بحديثٍ عن ضرورة أن يتم تعميم تجربة السلام (الإسرائيلية – المصرية) على باقي الدول العربية، لا ندري إن كان هناك تجارب أخرى ناجحة يريدنا السيسي أن نعممها أيضاً، لم لا؟ فالتجارب الناجحة أوصلتنا لمرحلة بات معها السفير الروسي في لبنان يتحدث عن القضية الفلسطينية أكثر مما يتحدث عنها الفلسطينيون أنفسهم، بات المعارضون السوريون ضيوف شرف على «الإسرائيليين» والأهم باتت فيها مصائر دولنا رهن انتهاء الاجتماع الذي انتظره الجميع بين أوباما وبوتين، فماذا قرر الآخرون أنهم صانعون بنا؟
لم تأت الكلمات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بجديدٍ، لعل أهم ما قاله بوتين بخطابه هو حديثه لشبكة «سي بي إس» الأميركية والذي سبق الخطاب. في هذا الحديث قال بوتين كل ما يريد قوله؛ بمعنى أدق: في هذه المقابلة مارس بوتين دور سلاح الهندسة في الجيوش التقليدية، فهو من جهةٍ بحث عن الألغام التي قد يفجرها أوباما به في خطابه وأبطل مفعولها، كالحديث عن «تورط الأسد في الجرائم ضد شعبه» عندما وصفها كنوعٍ من البروباغندا، ومن جهةٍ ثانية قام بزرع ألغام لتنفجر بأوباما عندما يلقي خطابه فتخرج العبارات من مضمونها، فإن كنتم جادون بمحاربة الإرهاب تعالوا لنحاربه معاً، إذا كنتم تحرصون على الشعب السوري فلا تكرروا المأساة الليبية وحافظوا على المؤسسات الشرعية، والأهم إن كنتم تدافعون عن القانون الدولي، فالقانون الدولي يحرِّم انتهاك سيادة الدول المستقلة. عليه كان اللقاء الذي جمعهما بعيد الخطاب هو بمنزلة تكريس تفاهماتٍ مرحلية، بمعنى آخر لنبدأ العمل معاً في النقاط المهمة ولنترك النقاط الخلافية حتى يحين موعد التصادم بها. كان واضحاً من حديث بوتين بعد اللقاء الذي جمعه بأوباما أنه كان يريد مقابلة أوباما في منتصف الطريق، مستنداً لتأكيدات أوباما في خطابه أن ليس هناك رغبة أميركية بعودة الحرب الباردة، وأن الولايات المتحدة حريصة على العمل لإنهاء «الأزمة» في سورية، فهل نجح اللقاء في وضع اللبنات الأساسية لذلك؟!
ربما قد يكون من المبكر التفاؤل، لكن في ظل التقاطعات يبدو أن الاتفاق قد تم على فكرة التحالف الدولي المدعوم بقرارٍ من مجلس الأمن، لكن دون هذا الأمر عقبات:
الأولى: هل أن هذا التحالف هو ضد داعش أم ضد الإرهاب؟ فالفرق واضح، عندما نقول ضد داعش هذا يعني أننا عدنا للمربع الأول، فماذا عن باقي التنظيمات الإرهابية كـ «جيش الفتح» التابع لتنظيم القاعدة، تحديداً أن «إسرائيل» لا يبدو أنها ستكون راضية عن أي اتفاقٍ أو قرارٍ يحد من حرية تحركها في سورية، وهذا كان واضحاً من خلال الاستماتة قبل أيام بدعمها للإرهابيين بالغارات الجوية لتسهيل سيطرتهم على إحدى قواعد الدفاع الجوي في ريف القنيطرة.
الثانية: إذا كان هذا التحالف ضد الإرهاب، فماذا عن مشيخات النفط وتركيا؟ بمعنى آخر ماذا عن مصطلح المعارضة المعتدلة التي روجت لها واشنطن، هل سقط المصطلح بالضربة القاضية أم إن واشنطن لا تزال تكابر. هنا علينا أن ندقق بالحدث الأخير الذي اعترفت به واشنطن بقيام عناصر دربتهم بتسليم أسلحتهم للنصرة، البعض قد يرى بالقصة أنها أسلوب غير مباشر لقيام واشنطن بتسليح النصرة، وهي قراءةٌ قاصرةٌ، فواشنطن ابتكرت يوماً طريقةً لتسليح داعش عبر تسهيل سيطرتها على مواقع للجيش العراقي وسرقة ما فيها من سلاح، فلن تعدم الوسيلة تحديداً أن مصادر النصرة من السلاح عبر تركيا ومشيخة قطر و«إسرائيل» ليست بالقليلة، كما أن واشنطن لم تنشر أسماء من دربتهم وهربوا، فهل أن هذه القصة هي روايةٌ هوليوودية لتبرير انسحاب الولايات المتحدة من المستنقع السوري وتحديداً من فرضية «المعارضة المعتدلة»؟!
ربما هو التحليل الأدق، تحديداً إذا ما كان هذا الكلام معطوفاً على «حالة الرضا» التي تلت اجتماع (بوتين – أوباما)، لدرجةٍ أعلن فيها بيانٌ للبيت الأبيض بعيد الاجتماع أن «النشاط العسكري الروسي في سورية ليس سلبياً»، والتي قد تنعكس في قادمات الأيام بارتفاع الحديث عن التحضير لقرارٍ من مجلس الأمن ينظِّم وجود تحالفٍ دولي «ضد الإرهاب» يريح الجميع ويعطي حدوداً للتحركات والتعاون، أما من دون ذلك فإن هذا الجنون لن ينهيه إلا معركة جوية قد تحدث بين الطيران الذاهب والآتي فوق السماء السورية إذا ظل المستعمرون القدامى مصرّين على تجاهل التنسيق مع الجيش العربي السوري، تحديداً بعد دخول الروس على الخط وبصورةٍ حازمةٍ. معركةٌ ربما تعيدنا تاريخياً للمعركة «الرمزية» التي جرت بين غرابين بعد أن قتل قابيل شقيقه هابيل، ألم يقولوا إن قابيل قتل هابيل في دمشق، فهل حانت لحظة الثأر؟ ربما ليس بعد، لذلك تبدو المعارك الكبرى مؤجلةً، ولن يبقى لنا مما جرى إلا ذكرى صمود، و«قمرٌ أحمر» سيعكس لون دماء الأبرياء في هذا الوطن… من قال إن دماء الأبرياء تجف؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن