ثقافة وفن

القضايا النقديّة في رسائل إخوان الصفاء وخلّان الوفاء

| سوسن صيداوي

النقد الأدبي محكوم بالإنشاء الأدبي، والأخير محكوم ومتمحور بالإنسان الناقد لما يدور حوله، وبحسب الباحثة آلاء ياسين دياب هناك مدخلان لتناول النقد الأدبي:أولهما مدخل تاريخي يتبع مفهومه عبر العصور، وثانيهما مدخل آني ينظر في طبيعة هذه الفعالية من وجهة نظر العصر الراهن. وللإضافة تقدم لنا مبحثها(القضايا النقدية في رسائل إخوان الصفاء وخلّان الوفاء)الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، من القطع الوسط بواقع ثلاث مئة صفحة تقريباً، مقسماً إلى فصلين اثنين. وتشير فيه إلى أنه لا يمكننا القول إن إ خوان الصفاء يملكون نظرية نقدية، بل إن لديهم تصوراً نقدياً هو استدلال بنائي، كما أن تصورهم النقدي ما هو إلا تجريد عقلي للتجربة الشعرية في عموميتها وارتباطها وتناقضاتها.
و لابد من الإشارة قبل إسقاط بعض الإضاءات على الكتاب، بأنّ هذه التجربة هي على مستوى من العمق والشفافية، اللذين يصعب العثور عليهما في فكرنا العربي القديم، كما أن الدراسة تعكس جانباً من جوانب الثراء الفكري الذي عاشته الثقافة العربية القديمة.
منهج الدراسة

المنهج الذي اتبعته الباحثة في دراستها هو المنهج الوصفي، إذ استقرأت الرسائل مع تحليل المعطيات بهدف تشكيل رؤية واضحة للتصور النقدي عند إخوان الصفاء، ومما حمل المؤلفة آلاء ياسين دياب على هذه الدراسة أن رسائل إخوان الصفاء لم تُدرس بمنظار نقدي، فمعظم الدراسات التي تناولت رسائل إخوان الصفاء كانت تدرس الرسائل من خلال رؤية أدبية أو لغوية أو فلسفية أو عقدِيّة. فتبعثرت الآراء حول هذه الرسائل في أنساق مبعثرة تنساق أحياناً وراء الأحكام التعميمية الجائرة، أو تبتعد بالرسائل عن الدراسة الجدية الأكاديمية، فتخرج بنتائج أقرب إلى الشمولية وأبعد عن الإفادة، وتتابع بأن البحث تطلب مواجهة ركام من الأعمال والأبحاث والدراسات: أولها، الأبحاث والدراسات التي ركزت اهتمامها على هوية إخوان الصفاء ونشأتهم وعصرهم.
ثانيها الدراسات التي تناولت آراء إخوان الصفاء في السياسة والتعليم والتربية والأخلاق.
ثالثها الدراسات التي عالجت المضمون الفلسفي، أو تعرّضت لعدد من جوانبه في رسائل إخوان الصفاء وخلّان الوفاء.
وتقول: «وعلى الرغم من ابتعاد هذه الدراسات عن موضوع الدراسة، تبقى مراجع زوّدتني بكم من المعلومات، وحفّزتني على مواصلة البحث، للكشف عما غاب، واكتشاف المزيد مما هو أعمق. وأما أهم الدراسات التي اقتربت من موضوع دراستي فهما دراستان: الأولى (الله والعالم في رسائل إخوان الصفاء) للدكتورة رائدة نهار الدالي.. الثانية (الإنسان والأدب في رسائل إخوان الصفاء) لـمنال إسماعيل عجّوب.
الهدف من الكتاب

يهدف الكتاب إلى دراسة صورة من صور التطور النقدي العربي القديم في ضوء التطورات الفكرية الكبرى التي طبعت العصر بطابعها، وتوضح الباحثة أبرز التيارات الفلسفية التي كانت حاضرة في حركة النقد العربي؛لأن ذلك يساعد على وضع التطورات النقدية العربية القديمة في إطارها الفكري المناسب، فهذه الدراسة تسعى للوصول إلى صورة النقد العربي في تفاعله مع الفلسفة الإسلامية-العربية، ما حققه وما يجب أن يحققه. وتتابع دياب «وقد اقتضت الدراسة تقسيماً غير متواز للمباحث، استُهلّت بمدخل نظري يلقي الضوء وباختصار على عدد من النقاط التي لا يمكن تجاوزها، فوقف الاستهلال النظري للكشف عن طبيعة العلاقة بين النقد والفلسفة والأدب بهدف استبطان مدى عمق هذه العلاقة؛للبحث في التأثيرات، والبعد عن الفصل بين النقد والفلسفة والأدب بوصفها أُطراً فكرية مستقلة، أو اتجاهات معرفية منعزلة».

فصول الدراسة
أشارت آلاء ياسين دياب تحت هذا العنوان إلى أن طبيعة الدراسة تفرض وجود جانبين، الأول تاريخي والثاني نقدي، وجاءت فصول الدراسة: الفصل الأول شكل المقاربة الأولية التي تدخل القارئ في التصور العام للموضوع، فتضمن التعريف بإخوان الصفاء وخلّان الوفاء وآثارهم، وتشكل المباحث المتبقية صلب الدراسة، أما الفصل الثاني فتتابع بأنه حول تقديم تصور عن النقد عند إخوان الصفاء رغبة في بناء رؤية نظرية مستمدة من الرسائل، لإنجاز تصور منهجي تأويلي للتصور النقدي عند إخوان الصفاء وخلّان الوفاء، بحيث اتسع الفصل الثاني إلى قضايا نقدية عدة، أولها التلقي، ثانيها مهمة الشعر، وثالثها الصدق والكذب في الشعر، ورابعها المحاكاة ونشأة الشعر، خامسها النزعة العقلية في الشعر، وسادسها الخيال في الشعر، وسابعها الوزن، وثامنها صناعة الشعر، وتاسعها الشعر بين السحر والعلم، وعاشرها ملكة الشعر. ثم جاءت الخاتمة متعلقة بما تقدمها، معتمدة على التكثيف في المقدمات لاستدعاء النتائج، وبغية استكمال التصور العام قامت المؤلفة بتذييل الكتاب بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها، فتقول «اقتضت طبيعة الموضوع تكرار بعض الشواهد، وذلك في مواضع متفرقة من الدراسة ولم يكن بوسعي العدول عن مثل هذا المقام لذلك على الرغم من حرصي على التقليل من مثل هذه الأمور، وجعله في أضيق حدوده، على الرغم من أن الشاهد يصلح للموضعين معاً. وتأتي أهمية الكتاب، من أنه يحاول أن يثبت أن واقع النقد والفلسفة ليس سوى جزء من واقع الفكر والثقافة عامة، وأن النظر إلى النقد من الزاوية الفلسفية المقترحة يتضمن تأملاً في البعد الفكري العربي ككل».

إخوان الصفاء
وعن اختيار إخوان الصفاء موضوعاً للدراسة، أعادت الباحثة السبب لكونهم يشكلون نموذجاً مميزا في سياق التفاعل النقدي الفلسفي العربي القديم، لتتابع «ففي رسائلهم نجد التوازن الفلسفي والاعتدال الفكري في الجمع بين الإخلاص للعقل، والإعلاء من قدر العلم بأسلوب وثيق الصلة بمعطيات الواقع، ففي رسائلهم تنعكس الكثير من التجارب الأخرى، وتتكرر محطات ومواقف ورؤى، فسبقت أفكارهم موضوعاتهم وتقدمت نظراتهم الجزئية التفصيلية على معانيهم الكلية. فتجربتهم تأخذ خطاً لافتاً؛ إذ إنها تعكس على نحو عميق من الوعي كل ما توصلت إليه الثقافة العربية حتى عصرهم. ففي ظل ثقافتهم الموسوعية لم نشعر في أي لحظة بالحدود الفاصلة بين مجالات المعرفة التي تناولوها، فلا نجد لديهم أي أثر من آثار التعارض أو الانفصال، بل نجد إحساساً واضحاً بالتكامل بين المجالات، إننا في رسائل إخوان الصفاء نتأمل تجربة فريدة تماماً، في التعامل مع الأدب والنقد سواء جاء هذا التعامل من الموروث الفلسفي أم من المنهجية الفكرية أم من طريقة التعاطي مع اللغة عامة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن