قضايا وآراء

أبواق الشرقية وطناجر العرعور

| أحمد ضيف الله

من يتابع وقائع التظاهرات في بغداد والمحافظات العراقية الوسطى والجنوبية في موجتيها الأولى والثانية والمستمرة حتى تاريخه، فسيلاحظ مدى التطابق في مجريات الأحداث بين ما يجري وما سبق أن جرى في سورية تحت لافتة «سلمية التظاهرات».
عناصر أمن ومدنيون أبرياء يُقتلون، ومُمثلو التظاهرات الوهميون يتهمون السلطات الرسمية بفعل ذلك. حرق المؤسسات الحكومية والخاصة ونهب المحال التجارية لا علاقة للمتظاهرين «السلميين» بها!، ومن يقوم بذلك أشخاص دستهم السلطة في صفوفهم. إرغام المواطنين على إغلاق محالهم، يذكرني بما كان يكتب على جدران المدن السورية «الإغلاق أو الإحراق». أشخاص يختفون على أنهم ناشطون مدنيون، والمتهم باعتقالهم أو خطفهم الحكومة، كضرغام الزيدي، أخي منتظر الزيدي، الزبونين الدائمين لدى المختطفين، حيث سبق أن اختطفا بالتناوب أكثر من 3 مرات منذ العام 2003 حتى الآن! فيما تكفلت الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر وترويج أخبار وفيديوهات وصور كاذبة، مواصلة عملها حتى مع انقطاع الإنترنت، ما يؤكد أنها من خارج العراق، وهو ذاته ما حصل في سورية. وحتى التوجيه الذي جاء على لسان أحد زبائن فضائية (الشرقية) بإطلاق أبواق السيارات في كل مناطق بغداد كتحد لقرار الحكومة العراقية بفرض حظر جزئي للتجول مساء الـ28 من تشرين الأول الماضي بين الساعة الثانية عشرة ليلاً والسادسة صباحاً، ذكرني بتوجيهات عدنان العرعور من الرياض للسوريين بالصعود إلى أسطح المنازل وقرع (الطناجر)، ولاتساع مساحة بغداد لم تسمع أبواق السيارات هذه إلا من خلال فضائية (الشرقية). وكما حصل في سورية جندت فضائيات خليجية وأخرى عراقية من ذوات الترخيص خارج العراق، لتضخيم وتهويل مجريات الأحداث، ناقلة الوقائع من وجهة نظر واحدة، مركزة على شعار «إسقاط النظام»، ومما يثير الدهشة أنه حتى فضائية الـ(RT) الروسية نقلت الأحداث بالطريقة الملتبسة ذاتها التي كانت تنقل ما يجري من أحداث في بدايات موجة التآمر على سورية!
فضائيات جَندت كامل ساعات بثها للترويج بأن إيران هي مصدر الخطر على الأمة العربية وليست إسرائيل المغتصبة لفلسطين، المحتلة للجولان السوري ولأراض لبنانية، وهو ليس من أميركا التي تعاملهم كعبيد وكحمير يحملون الأموال على ظهورهم، ولولا الفضائيات العراقية الأخرى العديدة لضاع المواطن العراقي ولأصيب بالهلع.
لست بصدد تناول مطالب المتظاهرين المحقة، التي أَقرت بمشروعيتها الحكومة العراقية والمجلس النيابي وكل القوى السياسية والدينية العراقية. إلا أن هذه التظاهرات لم تكن عفوية مطلقاً، فقد سبق أن روج لساعة انطلاقها قبل نحو الشهرين، وما من شك أن الإمارات والسعودية وبتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل رتبوا استغلالها، والسلطات العراقية كانت على علم بذلك، وبالتالي لم يكن نقل قائد جهاز مكافحة الإرهاب السابق الفريق عبد الوهاب الساعدي إلى وزارة الدفاع في الـ26 من أيلول الماضي، إضافة إلى نقل وإحالة عدد من الضباط الكبار للتقاعد قبله مصادفة، إذ كان هو وضباط آخرون يُعدون لانقلاب عسكري وإعلان (حكومة إنقاذ) مع انفلات الوضع الأمني، بقيام بعض المتظاهرين بعبور جسر الجمهورية وحرق مباني الرئاسات الثلاث والوزارات وبعض السفارات الأجنبية والمنازل في المنطقة الخضراء، وقيام آخرين باقتحام (سجن الحوت) في الناصرية حيث يقبع المئات من أشرس قيادات داعش وجلهم من ضباط الحرس الجمهوري السابق وفدائيي صدام وحرسه الخاص، بالتزامن مع احتلال بعض المتظاهرين لمطار بغداد الدولي، وإغلاقهم مداخل بغداد الثمانية، كغطاء لازم لهذا الانقلاب.. إلا أن كل ذلك أجهض، مع اتخاذ الحكومة العراقية كل الخطوات المضادة والاستباقية، ما أربك المسار التآمري في استغلال موجة التظاهرات الأولى التي انطلقت مطلع تشرين الأول الماضي، وأفشله.
كذلك فشلت عملية جر الحشد الشعبي لمواجهة المتظاهرين بعد حرق مقاره وقتل العديد من قياداته وأفراده، في خلق فتنة واقتتال عشائري على خلفية مقتل أبنائها في المحافظات الوسطى والجنوبية في الموجة الثانية من التظاهرات التي بدأت في الـ25 من تشرين الأول الماضي، لإدراك الجميع الهدف والمغزى من تلك العمليات الإجرامية.
اليوم دخل العراق في حلقة جديدة خطيرة تتشابه وتلك التي مرت بها سورية، متمثلة باستهداف القطعات العسكرية والأمنية، وبإطلاق سيل من البيانات الأميركية والأوروبية ومن المنظمات الأممية وغيرها محملة الحكومة العراقية وحدها مسؤولية ما يجري، كتصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الـ8 من تشرين الثاني الجاري، «علينا مساعدة شعبي العراق ولبنان وتحقيق تطلعاتهما».
لا أحد يمكنه تبرير أو إنكار الفساد المالي والإداري، وسوء الخدمات والبطالة، وانتشار الفقر، واتساع الهوّة الاقتصادية بين الفئات الاجتماعية، الذي بات من الضروري معالجته، وما يجري فرصة لتعديل دستور مرره بول بريمر لأيام كهذه، وإلا فإن المخططات الدولية والإقليمية لتدمير العراق وقتل شعبه لن تتوقف أبداً. حمى الله العراق والعراقيين من غدر أصحاب المنشار، ومن كل مكروه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن