قضايا وآراء

قمة بريكس .. رسائل عالمية باتجاهات مختلفة

| د. قحطان السيوفي

المشهد الدولي يشير إلى أن مجموعة بريكس، تمثل عامل استقرار على الصعيد العالمي في السياسة والاقتصاد، وهي تؤيد انفتاح الأسواق وضد أي نوع من سياسة الحماية الاقتصادية. هذا ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحفي عقده في ختام قمة دول بريكس في برازيليا؛ حيث استضافت البرازيل قمة «بريكس»، يومي 13 و14 تشرين الثاني 2019.
وبريكس باللاتينية BRICS، هي اختصار بالأحرف الأولى للدول التي اصطلح على تسميتها بالاقتصادات الناشئة، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
تحقق دول بريكس أسرع نمو اقتصادي في العالم، وتضم 2.83 مليار نسمة ما يشكل 42 بالمئة من سكان العالم، وتحتل 26 بالمئة من مساحة العالم، وتسهم بنحو 22 بالمئة من إجمالي الناتج العالمي، وتمتلك احتياطياً نقدياً يفوق 4 تريليونات دولار.
دخلت مجموعة دول بريكس عقدها الثاني، وتشير كل الدلائل إلى أن النتائج المتوازنة التي حققتها في عقدها الأول كانت إيجابية. سلطت المجموعة الضوء على التعاون بين الجنوب والجنوب على اعتباره «عنصراً مهماً في الجهود الدولية في مجال التنمية»، وأعادت التأكيد على «الدور المركزي» لمجموعة العشرين في الحوكمة العالمية، ودعت لإصلاح المؤسسات الدولية ولاسيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة، لإظهار الواقع الجديد للنظام الدولي وزيادة مشاركة الاقتصادات الناشئة في صنع القرارات الدولية.
قمة بريكس، انعقدت في البرازيل طارحة معادلة جديدة حيث قال بوتين: إن على دول المجموعة أن تكون أكثر طموحاً في القيام بالدور القيادي في الأمم المتحدة، ويتعين على أعضائها دفع الأجندة الإيجابية بنشاط أكبر وبشكل مستمر من أجل إيجاد حلول مشتركة لأبرز القضايا العالمية والإقليمية.
قدمت قمة بريكس مساهمات مهمة، في مجال التبادلات الإنسانية والبحث والابتكار، وهي تمثل محاور مهمة لعمل ونشاط المجموعة في المستقبل.
قررت قمة بريكس العاشرة البدء في التطبيق الكامل لشراكة بريكس حول الثورة الصناعية الجديدة المعروفة اختصاراً باسم PartNIR، وتطلب ذلك إنشاء مجمعات للعلوم وللأعمال التكنولوجية.
وافقت البلدان الخمسة على تأسيس منصة تعاون في مجال البحوث المتعلقة بالطاقة، والبحوث الزراعية، بما في ذلك تنفيذ منصة التكنولوجيا الصديقة للبيئة.
في سياق التبادل بين الشعوب، سلطت القمة الضوء على مقررين مهمين لمؤتمر القمة في جوهانسبرغ؛ الأول إنشاء مجموعة عمل بريكس للسياحة التي ستحسن التنمية الاقتصادية والمعرفة الثقافية بين الشعوب في بلدان بريكس من خلال السفر والتجارة والبنية التحتية للسياحة.
والثاني اقتراح إنشاء منتدى «تحالف أعمال نساء بريكس»، هذه خطوة مهمة لتعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
لا شك أن الظروف الدولية الحالية أكثر تعقيداً وتحدياً من العقد الأول لإنشاء بريكس. لقد اتخذت الولايات المتحدة الأميركية موقفاً أحادياً وحمائياً، ما أضاف المزيد من عدم الاستقرار إلى التجارة الدولية.
بريكس الآن تدعو إلى التفكير في كيفية التعامل مع حالات عدم اليقين والصعوبات، على المستوى الدولي، وداخل المجموعة نفسها.
أظهرت حوارات بريكس مع الأسواق الناشئة والبلدان النامية وحوار التوعية مع الشركاء من جنوب العالم أنها قنوات حيوية بزيادة قدرتها الدبلوماسية على المستوى الدولي.
البرازيل ملتزمة تماماً ببريكس. خلال عام 2019 سيتم إنشاء المكتب الإقليمي للأميركتين التابع لبنك التنمية الجديد في ساو باولو، ما يعزز وجود البنك في هذه القارة ودول أميركا اللاتينية.
إن تعاون بريكس في مجال الطاقة لتعزيز أسلوب حياة يتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة والتعاون في البحوث الزراعية، هما موضوعان لهما أهمية كبيرة.
في ظل أجواء عدم اليقين، تؤكد بريكس على مبادرات ملموسة وتبني إمكانيات بناء عالم أكثر رخاء وانسجاماً والعيش في وئام. حان الوقت لتكوين توافق بناء في الدفاع عن السلام وإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام الدولي. وبهذا المفهوم، احتفلت القمة العاشرة لمجموعة بريكس بالذكرى المئوية لميلاد الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، إشادة بدوره العالمي «في النضال من أجل الديمقراطية والترويج لثقافة السلام في العالم».
في أوقات مليئة بعدم اليقين في الساحة الدولية، فإن زعماء بريكس يرون أن التحرك نحو الآفاق شرط مسبق للتحرك نحو المستقبل.
أكدت القمة أن توسيع الحوار حول تقليص السلاح النووي يجب أن يتم عبر إشراك كل الدول التي تمتلكه، قال بوتين في مؤتمر صحفي عقده في ختام قمة مجموعة دول بريكس: لماذا يجب إشراك الصين فقط؟ يجب أن نشرك أيضاً كلاً من فرنسا وبريطانيا وباقي الدول التي تمثل قوى نووية رغم أنها غير معترف بها رسمياً.
وأشار بوتين إلى أهمية الحوار بين روسيا والولايات المتحدة كأكبر قوتين نوويتين في العالم، على حين تمتلك الصين ترسانة أصغر من الأسلحة النووية.
علماً أن الولايات المتحدة، انسحبت في آب 2019، من معاهدة نزع الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى.
وفي الوقت الذي أكدت فيه روسيا مراراً استعدادها لتمديد معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية الهجومية مع الولايات المتحدة، لم تعرب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبتها في ذلك، ودعت إلى مفاوضات تضم الصين التي رفضت بدورها هذه الفكرة.
بالمقابل فإن دور وأهمية بريكس سيزدادان بلا شك تزامناً مع تغير الأوضاع في العالم، مع الإشارة إلى أن دول بريكس تقدمت على مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع من حيث الإنتاج الإجمالي الداخلي ومعادلة القدرات الشرائية بنسبة 12 بالمئة.
هذه مسألة مهمة أصبحت حقيقة واقعية وجوهرية في الشؤون العالمية وتؤكد التوقعات أنها ستزداد، كما أكدت القمة محاربة الإرهاب وأهمية تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وحل الأزمة في سورية ودعوة جميع الأطراف إلى ضمان توفير المساعدة الإنسانية من دون معوقات، والمحافظة على استقلال سورية ووحدة أراضيها.
أخيراً يمكن القول إن قمة دول مجموعة بريكس في البرازيل وجهت رسائل متعددة قوية إلى العالم وباتجاهات مختلفة منها:
– إن مجموعة بريكس هي عامل استقرار على الصعيد العالمي في السياسة والاقتصاد.
– الدعوة لبناء عالم أكثر رخاء وانسجاماً والعيش في وئام.
– حان الوقت لتكوين توافق بناء في الدفاع عن السلام وإضفاء الطابع الديمقراطي على النظام الدولي.
– إيجاد حلول مشتركة لأبرز القضايا العالمية والإقليمية.
– المساعدة في تحقيق السلام في العالم وحل مشاكل الشرق الأوسط سلمياً، والاستمرار في محاربة الإرهاب والمحافظة على استقلال وسيادة سورية ووحدة أراضيها.
– دور بريكس وخاصة روسيا والصين في إعادة التوازن السياسي والاقتصادي في العالم والحد من الهيمنة الأحادية الأميركية في العالم.
– الدعوة إلى إعادة هيكلة المؤسسات المالية الدولية لتحقيق العدالة.
– رفض العقوبات الاقتصادية الأميركية والإجراءات الأميركية الأحادية والحمائية، التي تخالف قواعد التجارة العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن