قضايا وآراء

المنطق الدستوري

| مازن بلال

يبقى السؤال حول أولوية المسألة الدستورية في سورية، فالحرب القائمة حالياً تؤشر إلى صراع إرادات دولية وإقليمية والمشكلات العالقة اليوم ما بين شمال شرقي سورية ومحافظة إدلب؛ لا تملك مؤشرات تربطها باللجنة الدستورية التي ستجتمع مجدداً في جنيف، وفي المقابل فإن هذه الاجتماعات يراها البعض مفتاحاً للدخول إلى الحل السياسي، رغم أنها ظهرت في ظرف الاشتباك الدولي وعلى إيقاع الاحتلال التركي لمناطق من الجزيرة السورية.
عملياً فإن مسار هذه اللجنة حدد ولو بشكل قسري طبيعة القوى الفاعلة في الأزمة، واستبعد طيفاً غير قادر في اللحظة الراهنة على التأثير في تفاصيل المشهد لأسباب مختلفة، ورغم أن ما يسمى بـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد» منتشرة في الجغرافية السورية، لكنها غير ممثلة للمحافظة على التوازن القائم على الأخص مع تركيا، وفي الوقت نفسه فإنها وفق بعض المؤشرات خارج إطار اللعبة الدستورية لأسباب مرتبطة بالقوى السورية ذاتها، فهي مجموعة إشكالية كونها تغير من المعادلة السورية التقليدية القائمة على دولة يسهل حكمها مركزيا منذ الاستقلال.
ضمن هذا الإطار فإن عمل اللجنة الدستورية وبتوافق دولي وإقليمي لا يسعى لإنتاج حل للأزمة عبر النظر إلى الأطراف كافة، فاستبعاد القوى الموجودة في إدلب مفهوم نتيجة طبيعتها السلفية، في حين يتم إخراج «قسد» لأسباب أكثر تعقيداً تظهر في عنوانين رئيسين:
– عدم فتح مجال داخل الدستور السوري لإمكانيات تتجاوز الشكل الكلاسيكي لسورية، فالحل الدستوري له غرض محدد متجه نحو فض الاشتباك السوري إقليمياً ودولياً، وليس إيجاد معادلة تفتح الباب نحو المشاكل العميقة للشرق الأوسط مثل الموضوع الكردي على سبيل المثال.
– العنوان الثاني منع دخول كتلة كبيرة إلى ما يسمى الطرف المعارض في اللجنة الدستورية، ما يؤدي إلى تغيير أولويتها في تغيير «طبيعة السلطة» بدلاً من إنتاج عقد اجتماعي سوري جديد.
بالتأكيد فإن الأزمة السورية ليست أزمة دستور بالمطلق، والاعتماد الروسي المبكر على هذا الموضوع يستند لإيجاد نقطة ارتكاز، بعد إخفاق الكثير من المحاولات وعلى الأخص المحاولات الدولية للتفاوض في جنيف، وفشل إيجاد تمثيل واضح للمعارضة السورية، والأهم عدم قدرة الأطراف الدولية على خلق حلقة اتفاق فيما بينها، فاللجنة الدستورية هي تحديد أولي لطبيعة التفاوض يمكن عبره بناء توافقات، لكنه في النهاية لا يعبر عن المشاكل العميقة التي خلفتها الأزمة السورية، ويحتاج إلى رديف قوي على مستوى المسؤولية الاجتماعية في الداخل السوري، فالأطراف الثلاثة التي ستجتمع في جنيف يمكنها النظر إلى القاعدة الدولية التي استطاعت جمعها، وتستطيع أيضاً النظر إلى المجتمع السوري داخل جغرافيته أو في المغتربات لتقرر نوعية التوازن الداخلي المطلوب، فمسؤوليتها في شقها الدستوري التقني تبدو أسهل بكثير من عملية إبداع مختلفة مرتبطة بالسوريين الذين يعانون من نتائج الحرب.
لا تستطيع اللجنة الدستورية تجاوز حدود الإرادات الدولية، لكنها ستكون قادرة على جعل الدستور قاعدة تفاعل مختلفة للعلاقات التي أنتجتها الحرب على المستوى السوري، فالأزمة رغم مآسيها أظهرت أن المعادلة السورية مازالت مرتبطة بالقدرة على الاعتراف بالواقع كما هو، وهو أساس التوافق السيادي الذي ظهر منذ انهيار الحكم العثماني في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فاللجنة الدستورية ليس عليها اجتراح المعجزات في هذا الموضوع، ولكن على مستوى المسؤولية الاجتماعية فإنها مطالبة بإيجاد قاعدة دستورية تنتج سياسات على مستوى العلاقات السورية السورية سواء في الداخل أو مع حالة الشتات التي خلفتها الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن