ثقافة وفن

بالحب والغناء وحدهما نهتدي إلى «درب السماء» … جود سعيد لـ«الوطن»: العرض في سورية مختلف عن باقي العروض ويبقى له خصوصيته

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

وحده الحب هو من يقودنا إلى الخلاص، هو من يرسم لنا درب السلام، فمن يسكن قلبه الحب لا يذهب عنه الشغف بأن يكون في هذه الحياة إنساناً غير مجرد من إنسانيته، وفي فيلم «درب السماء» للمخرج جود سعيد نلمس الحب في حارة لا تخلو من أصوات الاشتباكات وبيت مملوء بحجارة متراكمة هنا ودمار حاصل هناك، تعيش فيه أسرة مكللة بالحب مسيجة بالأمل، ربانها أستاذ عربي «زياد» أيمن زيدان، هو رجل ممزوج بطينة من القوة والنقاء ومن الحب والوفاء، في ذلك البيت مأساة حرب لم تستطع إخفاء ضحكاتهم التي تنتزع من غمر دمعاتهم، لنراهم في حالة بحث دائم عن الفرحة لتجاوز الصعاب.

يقود «زياد» سفينته على هذا الأساس ويرفض الهجرة متمسكاً بضيعته ومنزله، وبالرغم من تعارض موقفه هذا مع مواقف بعض أبنائه إلا أنه بقيّ متمسكاً بالأرض مؤمناً بها، تمر الأحداث غير منصفة بحقه فنجده يعاني من القريب الشقيق الأصغر له (توفيق) حسين عباس، وهو شخص انتهازي ويعتبر من أثرياء الحرب، يبدأ المساومة ليخلصه أرضه مقابل أن يحيى بأمان.
كما حال البعيد، تلك الأجيال التي رباها وعلمها فهم الآن تغيروا معتبرين أن الزمان الآن لا يشبه الذي كان، والجميل أنه أورث طينته إلى أبنائه فنجد ابنه (رام) جابر جوخدار، الذي فقد ساقه واضطر لاستخدام ساق صناعية، يقوم بإعارتها لصديقه، في موقف إنساني يحكي الكثير عما تعرض له الشباب في تلك الحرب.

وبقي الأستاذ «زياد» في حالة سؤال عن أسباب وفاة ابنته التي كانت تشترك معه بخيار البقاء، وغير ممتن للبحر الذي غيب ابنته الأخرى، وليس فرحاً من خسارة ابنه «رام» لرجله أو خسارة عيون زوج ابنته، هذه المصائب كانت كفيلة للاستسلام عند أي شخص إلا أنها شكلت عنده دافعاً وإصراراً أكبر لانتظار الأفضل.

كل ذلك الخليط بين مشاعر الضحك والفرح والمأساة والحرب عمل عليها المخرج جود سعيد ليقدم لنا لوحة فنية قوامها مبني على الجمال والأمل من قلب مأساة وبرغم القسوة والتشويه إلا أن الضحكة وروح النكتة بقيت طاغية على مفاصل حياة الأبطال، كأنه يمسك ريشة يلون فيها السواد ويصنع الأفراح ليقول لنا رغم كل ذلك لا تقلقوا سنكون بخير.
وضمن فعاليات يوم وزارة الثقافة وبحضور مدير عام المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين وعدد من كبار مسؤولي الدولة ومديري المؤسسة وأبطال العمل والمشاركين فيه، وبعض العاملين في المجال السينمائي والمثقفين والإعلاميين والمهتمين، أطلقت المؤسسة العامة للسينما فيلم (درب السما) للمخرج جود سعيد.

العرض هنا مختلف

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بيّن المخرج جود سعيد: «أن الفيلم عرض في أكثر من محفل وحصل على عدة جوائز إلا أن العرض في سورية مختلف عن باقي العروض ويبقى له خصوصيته، وهناك نوع من القلق تجاه جمهورنا وناسنا وهذا شيء طبيعي وبديهي وهو قلق لن ينتهي في كل مرة نعرض فيها الفيلم للمرة الأولى».
وأضاف سعيد: «إن أفلامي عادة ما أقوم بكتابة الفكرة الأولية من خلال معالجة أولى وبعدها أدعو أحد الأصدقاء للعمل معي لنطور تلك التجربة من السيناريو إلى لحظة المونتاج الأخيرة، هي تجربة أقدمها وبعد 8 أفلام تصبح المسألة أصعب وأصعب لأن الناس ستبدأ بالمقارنة وربما بأفلامي نفسها، لذلك أسعى دائماً ألا أقدم تجربة هابطة، وأبقى في حالة بحث دائمة كي أجعل من اسمي يعلو أكثر».

قيمة فنية عالية

ومن جانبه أكد مدير المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين أن: «الفيلم منجز منذ فترة، وحاصل على 3 جوائز وهو نوع من هجاء للحرب بكل عاداتها السلبية ونمط الحياة السلبي التي تظهر في أي حرب، لذلك نستطيع القول إن الفيلم يدعو إلى القضاء على تلك العادات والمظاهر الموجودة في حياة السوريين، وتكمن أهميته من تناول مساوئ الحرب ويستخدم عبارة مهمة جداً وهي (يجب أن نبقى هنا جميعاً)، ربما يلخص لنا حكمة أو درساً لتعيش الأجيال القادمة بحياة أفضل من حياتنا».
وأضاف مراد أن الفيلم جدير بالمشاهدة وخاصة أنه حاصل على ثلاث جوائز وهذا دليل إضافي على أن الفيلم ذو قيمة فنية عالية وعولج بطريقة إبداعية جيدة وحظي باهتمام المصريين».

واقع حقيقي

بينما أوضح الفنان جابر جوخدار قائلاً: «إن فرحتي بالعمل ككل تبدأ بطاقم العمل كله ابتداء من جود سعيد إلى المعلم الكبير أيمن زيدان، وفي هذه التجربة تطرقنا إلى واقع حقيقي وتراجيدي حيث كنا نتحرك بناء على الأمل وإرادة الحياة، كما شخصية «رام» التي أؤديها فهو فقد رجله ولكنه لم يجلس بلا عمل أو ندب حظه، بل شاهدنا أن السعادة والفرح بقيا متلازمتين معه وهذا أهم ما في الحياة، وهذا العمل هو تحية إلى روح عقبة عز الدين ولكل شهداء الوطن الذين قدموا أثمن ما لديهم لنبقى هنا».

وأضاف جوخدار: «إن دور كهذا يشكل مسؤولية ليست بسيطة، وكانت تحتاج إلى حركات جسدية وعضلية وخاصة في مشاهد الصعود إلى السلم أو النزول منه وكان أي خطأ سيعيده كادر كامل، فكانت التجربة بمثابة المغامرة والتحدي بالنسبة لي».

الحب هو الأقوى

بينما بيّن الممثل رامي أحمر أن هذه التجربة حملت الكثير من المتعة، وهي ليست تجربتي الأولى مع جود سعيد إلا أنها حملت طابعاً خاصاً، وشخصيتي تستهدف تلك الفئة التي تاهت بتفكيرها في الحرب وذهبت لمكان غير جيد وقد لا يليق بها، إلا أن النهاية قادت «عروة» ابن الأصل والبيئة النظيفة إلى الرجوع عن موقفه، ليكون مصيره في النهاية الإعدام مع حبيبته لكن كان الحب الرابط الأقوى وهو ما جعل الأشياء أجمل وارتباطها ببعضها أقوى.

دور مؤثر

ويتحدث الفنان حسين عباس عن دوره قائلاً: «أجسد شخصية الأخ الأصغر لبطل الفيلم أيمن زيدان، إلا أننا نختلف عن بعضنا بشكل كبير، لأن أحدهما يعيش في المدينة والآخر في القرية، وعندما يقرر أيمن زيدان (زياد) العودة إلى القرية، تثير حفيظة (توفيق) لأنه شخص جشع وطماع وحقود، وللحقيقة شاهدنا مثل شخصيته الكثير خلال سنوات الحرب التسع وكانت هناك نماذج عديدة تعبر عنه بأخلاقه وتصرفاته الدنيئة، وبالطبع هو دور مؤثر وأحب أداء هكذا أدوار لأنها تشكل بالنسبة لي متعة وتحدياً حيث ليس هناك شيء يشبهني فيها وأنا لدي موقف من هؤلاء الأشخاص الذين استغلوا الحرب لمصلحتهم وكان لهم مصلحة بشكل من الأشكال ببقائها».

حالة خاصة

وقالت الفنانة هبة زهرة: «إن الفيلم يشكل حالة خاصة كونها التجربة الأولى بالنسبة لي، وكانت ممتعة وأعطتني خبرة ودفعاً إلى الأمام وخاصة مع أسماء كبيرة، وأجسد شخصية بنت من الضيعة اسمها (حلا) وبشكل عام أحب الأدوار السينمائية لأن الشخصية تأخذ وقتها لنبنيها شيئاً فشيئاً».

السينما باقية

وفيما رفض الفنان أيمن زيدان الإدلاء بأي تصريح لوسيلة صحفية إلا أنه كتب على صفحته على «الفيسبوك»: «عندما أتذكر البرد الذي كان في أيام تصوير فيلم (درب السما) والأجر الخجول الذي تقاضيناه، والجوائز التي حققها الفيلم، وبعدها نشهد افتتاح العرض الأول والميكروفون لا يعمل بالشكل الجيد، أضحك ضحكة مليئة بإحساس العبث».
وأضاف زيدان: «لا أدري كيف افتقد افتتاح فيلم على الاهتمام الذي يستحقه وتحول إلى تقليد رتيب. متابعاً: إن إنجاز فيلم في ظل تلك الظروف المعقدة أمر يستحق صيغة أكثر من هذا الاحتفاء الخجول، وختم زيدان: «يا سيدي لتذهب الخطب العصماء والبدلات الرسمية إلى الجحيم، فالسينما باقية طالما أن عشاقها الحقيقيين ما زالوا على قيد الشغف».
ويذكر أن الفيلم سيناريو جود سعيد وأيمن زيدان مع سماح القتال ورامي كوسا، وأخرجه جود سعيد. تمثيل: أيمن زيدان، صفاء سلطان، محمد الأحمد، جابر جوخدار، نوار يوسف، حسن دوبا، حسين عباس، رسل الحسين، هبة زهرة، مرح حسن، تم عرضه ضمن فعاليات الدورة الـ35 لمهرجان الإسكندرية لسينما حوض البحر الأبيض المتوسط، وفاز بثلاث جوائز، جائزة أفضل سيناريو في المسابقة الدولية وجائزة أفضل فيلم في المسابقة العربية، إلى جانب جائزة أفضل تمثيل لأيمن زيدان في هذه المسابقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن