من دفتر الوطن

نعمة الأمل

عصام داري

 

كم نحن بحاجة إلى حزمة من نور لنغزلها نسيجا يضيء نفوسنا المتعبة والخروج من هذه الظلمات التي غرقنا وأغرقونا فيها.
وكم نحتاج إلى جرعة أمل وتفاؤل وسط هذا الهشيم الذي صار عنوان مرحلة هي الأسوأ في تاريخنا أفراداً وجماعات.
وصلنا في أحيان كثيرة إلى حافة اليأس، وكدنا نسقط في هوتها العميقة التي لا خلاص منها، لكن بارقة لمعت في الأفق وفي العقل أرجأت السقوط الكبير، وفتحت بوابة مواربة قد تنقلنا من أعماق اليم إلى شواطئ الخلاص.
من يعشق الحياة والفرح والحرية والانطلاق فلا تعوقه جبال التحدي، ولا جحافل الغيلان وأسراب الجراد التي هجمت علينا تريد سرقة أحلامنا وزراعة دروبنا المزهرة والمعشوشبة بالأشواك والصبار.
لا يمكن لمن يزرع الأزاهير أن يحصد السراب واليباب، ولمن يستيقظ على تغريد العصافير والحمام، أن ينام على صوت القنابل والتفجيرات والصراخ والعويل.
نعرف أن الظلمة باتت تلفنا وتلون نهاراتنا قبل ليالينا، لكننا نعرف كيف نقطف من قلب الشمس وكبد القمر شعاعات من نور وضوء نبذرها في دروبنا التي رسمناها بريشة فنان، وكتبناها بأبجدية شاعر، وعزفناها لحناً سماوياً يتردد صداه في أرض لم تعرف يوماً إلا الحب والعشق الراقي.
كتبت قبل أيام عن حلاوة الأيام ومرارتها، قلت، فيما قلت: إن زراعة وردة أمل كل يوم في بستان الأشواك ليست عملية سهلة، فمع كل وردة تلدغك شوكة كعقرب، تذكرك بأنك في الزمان الغلط المشحون بأشباح وغيلان تحتل مساحات كانت لإنسان طبيعي يعشق نسائم الصباح، وسهرات الزجل والغزل على ضوء القمر.
وكتبت أيضاً: الحياة تحتاج إلى فارس لا يخشى الخوض في أشرس المعارك في سبيل الرغيف والحرية وكلمة الغزل الممنوعة في مجتمع وأد البنات واغتيال العصافير وسحق الفراشات والأزاهير.
وكما نحن بحاجة إلى النور والضوء والتحليق في المسافة الشاسعة التي تفصل بين الحلم والحقيقة، وبين السحر الكامن في عيون الصبايا، وبين قسوة الدنيا ووحشية الثواني، نحتاج كذلك إلى قوة الآخرين وعزيمتهم كي نقوى معاً في معارك الحياة الطاحنة، ودوامة الأيام التي لا تعرف الرحمة.
نتمسك بخيوط أوهى من خيط العنكبوت لنثبت لأنفسنا أننا نسير على الدرب الصحيح الذي ينتشلنا من بؤرة الشك والقلق والتوهان، ولنقنع الآخرين أن أبواب الأمل مفتوحة على غد هو الأحلى، ومستقبل هو تلك الصورة التي رسمناها لأنفسنا منذ زمن الفرح الضائع، فهل نعيش الحلم، أم نحلم في يقظتنا الراهنة؟.
في نهاية درب التفكير الذي قادنا إلى العديد من المتاهات والأسئلة التي يصعب حلها، لابد من الاعتراف بأن من لا يملك نعمة الأمل، لا يملك فرصة للحياة، أو على الأقل، سيجعل حياته جحيما مستمراً.
فاتركوا لأنفسكم مساحة، ولو صغيرة، لحلم قد يتحقق، ولأمل اخترعوه إذا هجركم ورحل نحو يأس محتمل، فنعمة الأمل هي العملة التي نحتاجها في هذا الزمن الصعب قبل أن يخنقنا اليأس ويرهقنا حزن عميق وثقيل يرفض الرحيل!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن