ثقافة وفن

عمل استعراضي غنائي في فلك البساطة والمتاهة…الطريق إلى الشمس… ما رُوّج عن العرض في وادٍ والطابع الذي تركه في وادٍ آخر

عامر فؤاد عامر- تصوير: طارق السعدوني»

قُدّمت المسرحيّة الاستعراضية الغنائيّة «الطريق إلى الشمس» على مدى ثلاثة أيام متوالية، في مسرح دار الأوبرا في دمشق، بحضور جماهيري لافت، وقد كان الاهتمام الإعلامي كبيراً بهذا الحدث قبل العرض وأثناءه، لكن يبقى السؤال الأكثر أهمية! ما الذي قدّمه هذا العرض؟
سؤال يستحق الطرح والتمعن فيه، للبحث عن إجابة ترضينا، فالعمل الذي حمل أسماء مهمّة بتاريخها وإنجازها الفني، رافقها أيضاً الكثير من الكوادر المجتهدة، فهناك الراقص، والممثل، والمغني، والإعلامي، والكاتب، والشاعر… إلخ، فهي مزيج كبير من المستويات التي جمعت بين أسماء معروفة، وأصحاب خبرات، وطلاب من المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وخريجين جدد منه، وغيرهم، وقد رُوّج قبيل تقديم العرض، بأن هناك ما يزيد على مئة شخص سيظهر على خشبة المسرح مؤدياً دوره.

كلّ هذه الجهود مشكورة، وكلّ الضخ الإعلامي الذي رافقها أيضاً مشكور، ولكن ما القيمة الفنيّة التي أضافها هذا العرض؟
لقد بقيت مسرحية «الطريق إلى الشمس» ضمن بوتقة من البهرجة والاستعراض من دون هدفٍ واضح، أو على الأقل حمل عدّة أهداف؛ لم تنسجم مع بعضها، لتكون مسرحيّة تسير بخطوات متوازنة، بل كانت كثيرة التأرجح، بين مضامين مهمّة، وعدم المقدرة على الوصل بينها، لتقدّم في قالب مسرحي حقيقي، فهي لم ترقَ في النهاية لمستوى المسرح الغنائي الاستعراضي، بل بقيت في مستوى المحاولة لتقديم شيء، وليس أكثر من ذلك.
وُلد العمل من فكرة، ثم تطورت الفكرة لتكون سيناريو عمل يُقدّم على المسرح، وقد جاءت التدريبات في مرحلة زمنيّة قصيرة جداً، مع رؤية إخراجيّة خاصّة، في حين أن المسرح الاستعراضي الغنائي هو من أهمّ، وأدق أنواع العمل المسرحي، لأنه يحمل كوادر متنوّعة، تحتاج إلى تأنٍّ، وهدوء في تجسيد الفكرة، وإيصالها للمتلقي، كما أن التجربة عبر التاريخ تبيّن أن هذه الجهود، تحتاج المزيد من الوقت للتدريب، والذي قد يتجاوز العامين، وليس مقاربة الشهرين، كما كان معنا هنا في (الطريق إلى الشمس)!. فالتدريب المكثف، والمستمر، هو ما يجعل من الرؤية أكثر وضوحاً في انسجام الأفكار، وحصرها، ونسف ما يشوّه الهدف من تقديمها، ومزج الألوان مع بعضها بصورةٍ سليمة، لا تشتت العين، فلا تترك طابعاً مخالفاً لما يهدفه العرض، وما نريد أن نقوله حول هذا العرض: إن الكم الكبير من كوادر، وصور، وأفكار، وديكورات رافقت العرض، جعلت منه عرضاً مختلفاً عن الرؤية الواضحة، والبسيطة، بل بقي في فلك الاستعراض، والمشاهد المتقطعة، من دون الاحتراف في وصل هذه المشاهد بطريقة تخدمنا للوصول إلى الشمس، فكانت متاهة وأحجية. وهذا الأمر طبيعي جداً لأن التدريبات جاءت في زمنٍ قصيرٍ جداً، ولا يمكن خلاله أن يكون لكادر كبير تجاوز المئة شخصيّة (وهذا الرقم على ذمة المسؤولين عن العرض ) أن يظهر بصورةٍ متقنةٍ ومنسجمة، بل من الطبيعي جداً أن يكون عبارة عن مشاهد لا تحمل حبكة مسرحيّة حقيقيّة، وواضحة، بل فقط استعراض، وأضواء، وإمتاع ليس أكثر من ذلك، فكان ما روّج له العرض قبل أن يُعرض في مكان، وبعد أن تمّ عرضه في مكانٍ آخر، وهذا هو الطابع الأخير الذي تركته مسرحيّة «الطريق إلى الشمس»، فمن شاهد العرض خرج بنتيجة أنه جميل لكنّه مُشّوش، إذ ما سمعناه وقرأناه عن العرض كان في مساحة لا تقارب النتيجة التي خرجنا منها بعد رؤية العرض.
لا يمكن لنا أن نبخس الجهود حقّها، فهناك خطوط دراميّة حملت قيماً مهمّة، بل تستحق الوقوف عندها، فالشهيد والوطن والحب والمقاومة والأمل ورغبة الانتصار والتضحية والحقائق الواضحة وغيرها من القيم التي اعتمد عليها العرض ستحمل أصداء كثيرة في وجدان المتلقي ولاسيما أنّ الطريق إلى الشمس حملت مروراً على مشاهد من تاريخ سورية الخاص ومقاومتها لأنواع الاستعمار والاستبداد والظلم والغزو الغريب عنها إلى يومنا هذا، وكذلك لا يمكن إهمال الجهود الكثيرة التي يمكن لفت النظر إليها بقوة، والتي جاءت بين أسماء مهمّة على الساحة الفنيّة في سورية، فأثبتت جدارتها في كثيرٍ من المشاركات التي عرفناها سابقاً، وبذلك أغنى وجود هذه الكوادر مسرحيّة (الطريق إلى الشمس)، وجعل هذا الموضوع كأنّه همزة الوصل، بين المتلقي والعمل، ليكون ذلك منظاراً يقرّب من وجه النظر التي أرادها المخرج « ممدوح الأطرش» والذي تحدّث إلينا في تصريحٍ خاصّ لـ«الوطن»: «حُكمنا في الوقت، فالعمل يتحدث عن دم الشهيد الغالي، الذي هو جزء من هذا الوطن، وذلك عبر أزمان متتالية مرّ فيها، وما زال الجسد السوري ينزف في يومنا هذا، فالعمل مرتبط بالشهيد بشكلٍ ما، وقد اضطررنا لتكثيف لوحاتنا؛ بمناسبة عيد الشهداء (السادس من أيار) ليقدّم العمل بشكله كما هو الآن، ولكن في الواقع هكذا عمل يحتاج لسنواتٍ من التحضير، والتجهيز، والتنفيذ، وقد اختصرنا هذه السنوات في أشهر قليلة جداً، بمساعدة، وإيمان كلّ من كان معي في هذا العمل، إلى أن وصلنا إلى هذه النتيجة».
اعتمد العمل على نص شعري مميز قريب من واقع الحال وهم الشارع، ويمكن القول إن انتقاء الكلمة فيه جاء بخصوصيّة قدّمها الفنان كفاح الخوص بتفرد، كما كان له دور تمثيلي في المسرحيّة من خلال شخصيّة راوي الأحداث، إضافة لدوره كمساعد مخرج في العمل، وقد أضاف لنا حول العمل أيضاً: « قّدمت شخصيّة الراوي في مسرحيّة (الطريق إلى الشمس) والعمل هو طريق لا يمكن لأي شخص الدخول فيه، ولا يمكن للطغاة الاستمرار فيه، ولو فرضوا وجودهم لوقتٍ طويل، فهو مكان خاص جداً، وفقط حقيقته يكشفها ويفهمها ابن الوطن، وهو طريق الشهيد نحو النور والإيمان ومعرفة الحقيقة».
جاء العمل برعاية وزارتي الثقافة والإعلام – دار الأسد للثقافة والفنون، بالتعاون مع مؤسسة «ميثا» للإنتاج الفني. وبطولة نجوم الدراما والغناء السوري: « نورا رحال، وكفاح الخوص، ووسيم قزق، وميس حرب، وحسين عطفة، وعباس الحاوي، وفيصل الراشد، وشادي كيوان، والطفل ريّان شاميّة». في العمل أصوات غنائية جميلة تميّز العرض بها وجاءت بين ثلاثة أسماء هي: «نورا رحال» التي جاءت بأغنيات مسجلة في الاستديو، وعلى طريقة ( playback ) كانت في أداء الأغنية على المسرح، و”ميس حرب»، و”حسين عطفة» اللذان قدما أغانيهما بأداء حيّ ومباشر بينت مقدرتيهما الغنائيّة والتكيف مع الدور الدرامي الخاص بهما والمشترك في الأداء التمثيلي فكان جهداً قوياً يستحق التقدير والإشادة، وقد التقينا الفنانة «نورا رحال» التي بينت في كلامها مدى قوّة هذه التجربة وجرأتها كخطوة بنيت على التحدي والمغامرة: «هناك سرعة في تنفيذ العمل، لكن اعتمدنا فيه بأن يقوم كلّ شخص منا بتأدية مهمته على أكمل وجه وبثقة وفرح وإتقان، فلم نعتمد إلا على أنفسنا في إتمام العرض، أمّا دوري في الطريق إلى الشمس فقد اجتهدت فيه على مسألة الحفظ كثيراً، وعلى مسألة تأدية الدور بإحساسٍ، وثقة في الكلام، مع الاهتمام بالتفاصيل من أزياء إلى موسيقا، وتدريب في الاستديو، وتمرينات مع الراقصين، وشخصيّتي في المسرحيّة هي «ميثا» وأثناء القراءة وجدت قرباً بيني وبينها، فقد أحسست بأنّني وميثا شخصيّة واحدة». أمّا الفنانة «ميس حرب» فقد ذكرت لنا عن دورها في تجسيد شخصيّة زهرة الفتاة التي تعاني بين همها الداخلي والهم الخارجي المفروض بقسوة عليها فتقول: «جسّدت دور فتاة اسمها «زهرة»، وهي ترمز للحبّ، والأمل، وأثناء العمل تتحوّل طيبتها إلى حالة من القساوة بسبب المعارك، والحروب، والتعب، وانتظار الحبيب الثائر، الذي لم يعد بالإمكان أن يكون بقربها، بسبب الظروف القاسية التي حكمت البلاد، وفي النتيجة تفقد «زهرة» الأمل، ولكن في نهاية المسرحيّة يتمّ التركيز على استمرارية الأمل، وذلك من خلال الطفل الذي يظهر في نهاية العرض، ويتحدث مباشرةً عن لغة الأمل». وبدوره ألقى الفنان «حسين عطفة» الضوء على الدور الذي يجسده وهو «أسعد» حبيب زهرة فيقول: «جسدت دور «أسعد» الذي يمثل باختصار، خط الحبّ في زمن الحرب، مع شخصيّة «زهرة» التي تجسدها الفنانة «ميس حرب»، وأسعد هو شخص واقعي في لحظات، وحازم في مواقفه، بسبب الجراح التي يتعرض لها وظروف البلد القاهرة، وفي لحظات هو حالم يتطلع لبناء أمله، ونسج نهاية سعيدة، لأمانه وأمان البلد، وانتصارها بعيداً عن لغة الحرب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن