ثقافة وفن

دمشق شهدت ظهورها الأخير قبل عشرة أعوام … ماجدة الصباحي.. مزجت بين عملها كفنانة ومنتجة تثري الساحة بأعمال تدعم المجتمع

| وائل العدس

حياة مليئة بالتفاصيل المثيرة، تركتها الفنانة المصرية الراحلة ماجدة الصباحي التي تفردت عن نجمات الزمن الجميل بمكانة جماهيرية، بفضل رقتها وصوتها المبحوح، بعدما قدمت عشرات الأفلام المهمة في تاريخ السينما المصرية.
رحلت يوم الخميس الماضي عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد مشوار كبير مع الفن جعلها من أشهر من أنجبت السينما العربية.
وكشف المقربون منها تفاصيل الساعات الأخيرة في حياتها مؤكدين أنها كانت طبيعية ولا تشعر بأي ألم، حيث استيقظت كعادتها في الصباح وتناولت طعام الإفطار وتحدثت مع المساعدين في منزلها وطلبت كوباً من الشاي، احتسته وتوفيت مباشرةً وهي جالسة في منزلها في الساعة الحادية عشرة من صبيحة 16 كانون الثاني 2020.

وعانت عفاف علي كامل أحمد عبد الرحمن الصباحي الشهيرة بـ«ماجدة» أزمة صحية في الفترات الماضية ونقلت إلى المستشفى مراراً بعدما تعرضت لحالات إغماء متكررة، لعدم انتظام ضربات القلب، وخضعت لجراحة قلب مفتوح، ثم تماثلت للشفاء وعادت إلى منزلها، بعد تركيب جهاز يعمل على تنظيم ضربات القلب.
ويسجل لمهرجان دمشق السينمائي الدولي الثامن عشر الذي أقيم عام 2010 في دار الأسد للثقافة والفنون أنه شكّل الظهور الأخير للفنانة الراحلة، حيث تم تكريمها حينها إلى جانب مواطنها حسن يوسف، وبعد ذلك غابت تماماً عن الظهور الإعلامي والمناسبات الاجتماعية والفنية.

بداية بسن صغيرة

بدأت ماجدة حياتها الفنية في سن صغيرة، لكن بدايتها الحقيقية كانت في فيلم «الناصح» مع إسماعيل ياسين عام 1949، وقد صورته سراً بعيداً عن أعين أسرتها، فتوالت بعده أعمالها السينمائية التي تجاوزت الـ60 فيلماً. حيث إن المخرج رآها أثناء دراستها بمدارس الراهبات قبل أن تُكمل سن 15 سنة خلال رحلة مدرسية إلى استوديو شبرا، فوجد فيها مواصفات الفتاة التي يبحث عنها لتقوم ببطولة هذا الفيلم، فوافقت الفتاة دون أن تخبر أسرتها وصورت الفيلم في مواعيد المدرسة، مستغلةً الظروف الأسرية. حيث كانت والدتها مريضة تجري جراحة داخل أحد المستشفيات، ووالدها في عمله طوال الوقت، وشقيقها توفيق كان منشغلاً بأعماله التجارية وشقيقها مصطفى طالباً بكلية الشرطة وأختها الكبرى منشغلة مع خطيبها في تحضيرات الزواج.
وقد طلبت آنذاك تغيير اسمها على الشارة، حتى لا يعرف أحد من أسرتها، ولكن بعدها نشبت مشاكل عديدة مع أسرتها أدت لتعطيل عرض الفيلم مدة عام كامل قبل تخطي المشكلة.

بين التمثيل والإنتاج

تميزت ماجدة عن غيرها من الفنانات بأنها مزجت بين عملها كفنانة تعشق فنها، ومنتجة تثري الساحة بعديد من الأعمال المتنوعة التي أنتجتها لدعم المجتمع، فجاءت روائعها من الأفلام الدينية والوطنية والرومانسية، وكأنها كانت مرآة تعكس ما يحتاجه الناس، وفي شتى المناسبات كانت حاضرة سواء بإنتاجها أو أفلامها.

الفتاة الدلوعة

ورغم شهرتها في أدوار الفتاة الدلوعة أو المراهقة، فإنه من الظلم اختزال مشوارها وتألقها ورصيدها الفني كممثلة في هذه الأدوار فقط، فهي الأخت الكبرى العاقلة المضحية في «بنات اليوم»، وهي الفلاحة البسيطة في فيلم «النداهة»، وهي المناضلة جميلة بوحيرد في فيلم «جميلة» الذي تناول سيرة المناضلة الجزائرية الشهيرة، وهي بائعة الجرائد التي يحفظ الجميع طريقتها وهي تنادي على بضاعتها.
وجسدت ماجدة بطولة عدد من الشخصيات الروائية لكبار الكتاب من أمثال نجيب محفوظ في فيلم «السراب»، وإحسان عبد القدوس في فيلم «أنف وثلاث وعيون»، وفتحي غانم في فيلم «الرجل الذي فقد ظله»، فضلاً عن تجسيدها بطولة النسخة العربية لرواية إيملي برونتي الأشهر «مرتفعات وذرينغ» في فيلم «الغريب» أمام يحيى شاهين.
ومن أبرز ما قدمت ماجدة من أعمال دينية فيلم «هجرة الرسول».
وكان آخر أفلامها «ونسيت أني امرأة» عن قصة الكاتب إحسان عبد القدوس عام 1994 ثم اعتزلت التمثيل بعد ذلك.
وخاضت ماجدة تجربة إخراج وحيدة من خلال فيلم «من أحِّب».

ثنائيات فنية

كونت ماجدة ثنائيات مع العديد من النجوم، فقدمت مع إسماعيل ياسين «ليلة الدخلة» و«فلفل» و«الآنسة حنفي»، وغنى لها عبد الحليم حافظ «أهواك» في فيلم «بنات اليوم»، وقدمت مع رشدي أباظة أفلام «المراهقات» و«دنيا البنات» و«حواء على الطريق» و«زوجة لخمسة رجال»، وقدمت مع فريد الأطرش «لحن الخلود» و«من أجل حبي»، ومع يحيى شاهين، «مرت الأيام» و«هذا الرجل أحبه» و«أين عمري» و«عشاق الليل»، وشاركت زوجها إيهاب نافع أفلاماً مثل «الحقيقة العارية» و«القبلة الأخيرة» و«هجرة الرسول».

مذكرات ماجدة

«كنت أؤمن بأنه لا يمكن أن يتحول النقد في بلادي لتصفية حسابات، أن تتحول الأقلام من أداة للبناء إلى أداة للهدم، أن يجرحني ناقد لمجرد الانتقام لكوني لم ألب دعوته على العشاء، النقد أسمى من كل شيء يمكن أن أصفه».. هكذا أعلنت الفنانة ماجدة الصباحي حربها على النقاد، وهي الحرب التي لم تخف جذوتها، حتى كانت سبباً في حجب صحيفة اللبناني حبيب مجاعص، في مصر.

الباحث والكاتب الصحفي السيد الحراني، كاتب «مذكرات ماجدة»، ينقل عنها: «كنت ومازلت أحترم النقد الفني البنّاء الذي يسهم في توجيه الفنان وتعرية أماكن الضعف والوهن بجسده الفني حتى يقوّم نفسه وأداءه، فما أقوى الناقد إذا كان يتمتع بحس فني، وما أقبحه إذا كان جاهلاً لا يعرف الفرق بين الدراما والأكشن، بين المواجهة والإسقاط، وما أجمل النقد إذا كان بعيداً عن الميول والاتجاهات، وما أشرفه إذا كان بعيداً عن المشاكل الشخصية».
وأضافت: «لكن، مع الأسف الشديد، كل ما أذكره هو أمانٍ لا تتحقق كثيرة، بل نادراً ما تجد من يلتزم بها، ولقد تعرضت كثيراً لحملات من التشويه والنقد لمجرد خلافات شخصية بيني وبين من ينقدني، أو لمجرد أنه يتطوع محاولاً أفول نجمي الذي كان يتلألأ بين نجوم السينما، وفي البداية كنت أشعر بالأسى والمرارة لما كنت أتعرض له من جلدات النقاد من دون مبرر، ولكني بعد ذلك تعودت أن أصمد أمامهم مهما كانت قوتهم».

لقاء نادر

«محبش أعيش وحدي وعمري ما عشت وحدي» بهذه الكلمات تحدثت الفنانة الراحلة ماجدة الصباحي عن حياتها ضمن لقاء تلفزيوني نادر أذيع على شاشة ماسبيرو كانت قد أجرته مع الفنانة ميرفت أمين، حيث أكدت في لقائها أنها لا تستطيع العيش بمفردها منذ طفولتها.

وأضافت أنها عندما تزوجت كان منزلها عامراً بالعائلة وأنها عندما طلقت جلست في منزلها مع والدها وشقيقها وابنتها غادة.
وتحدثت الراحلة في اللقاء الذي ظهر فيه معها والدها أيضاً عن الفارق بين المرأة العاملة وربة المنزل، مؤكدة أنها لا تمتلك الكثير من الوقت لكنها في الوقت ذاته تحاول أن تكون «ست بيت» بحسب وصفها خلال الوقت الذي تمكث فيه بمنزلها، وهنا داعبها والدها مقاطعاً حديثها قائلاً: «مش قوي».

أزمة القبلة

كانت الفنانة الراحلة ترفض بشدة تقبيلها في المشاهد، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الأزمات، سواء مع المخرجين أو الفنانين الذين تعاونوا معها في الأعمال.

ورفضت ماجدة تقبيلها من الفنان فريد الأطرش في فيلم «من أجل حبي»، بل كاد يتوقف الفيلم بسبب ذلك، في الوقت الذي نشبت بينها وبين الفنان عمر الشريف والمخرج عاطف سالم، أزمة بسبب تقبيلها بشكل مفاجئ، فخلال تصوير فيلم «شاطئ الأسرار» اتفق الاثنان على أن يقوم الشريف بتقبيل ماجدة بشكل مفاجئ أثناء التصوير، ليقينهما برفضها تقبيلها حال معرفتها بذلك، وهو ما تم بالفعل، ويتحول الموقف إلى ثورة من ماجدة، أدى لخلافها الشديد معهما، لتتوقف عن تصوير المشاهد لمدة أسبوع.

وأصرت ماجدة على حذف المشهد قبل إتمام الصلح، والعودة للتصوير، إلى أن وافقت بعد ذلك على عرض المشهد.
ولم تستطع ماجدة التمسك بموقفها تجاه القبلات كثيراً، حيث وافقت على القبلات التي جمعتها بالفنان رشدي أباظة في فيلم «المراهقات»، لكونها رأت أن القبلات في المشاهد ضرورية في القصة.
وكانت ترى ماجدة دائماً أن العناق والأحضان من دون قبلات، هو الشعور الأصدق على الشاشة.

أول قصة حب

عاشت ماجدة أول قصة حب مع صديق شقيقها، حيث اتفقا على الزواج، لكن أسرتها رفضت لأن شقيقتها الكبرى لم تتزوج بعد، الأمر الذي أشعرها بالخجل، وألزمها غرفتها شهراً كاملاً.
وبعد قصة حبها الأولى، فوجئ الوسط الفني بإعلانها خطبتها من سعيد أبو بكر، الشهير بشخصية «شيبوب» في فيلم «عنتر بن شداد»، لكن تم فسخ الخطبة بعد فترة بسيطة من دون سبب.
تزوجت ماجدة، من الفنان الراحل إيهاب نافع الذي أنجبت منه ابنتها الوحيدة الفنانة غادة نافع، وذلك بعد أن تعرفت عليه مصادفة في حفل نظمته السفارة الروسية بالعاصمة المصرية القاهرة.
وفي تلك الأثناء، أصر النافع، الذي كان يعمل طياراً خاصاً للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، على توصيلها للمنزل بعد انتهاء حفل السفارة، الأمر الذي شكّل لهما فرصة للتعارف من قربٍ، قبل أن يتزوجا عام 1963، ودفع لها مهراً قدره 25 قرشاً.
ولم يدم الزواج طويلاً، فتم الطلاق أثناء رقصة «تانغو» بينهما في العاصمة اللبنانية بيروت، وبررا الطلاق بالاختلاف في الطباع والمستوى الفكري، قبل أن تكشف ابنتها الفنانة غادة أن سبب الانفصال هو غيرة والدها الشديدة.
أيضاً في مذاكرتها كشفت أن الممثل رشدي أباظة أحبها وتقدم لطلب يدها، لكن الأسرة قالت له إنه صديق حميم لكن حياته الخاصة يعلمها الجميع لذلك لن تستطيع أن تعيش معه وستعاني، وحينما علم بارتباطها بإيهاب نافع شعر بغضب شديد وأخبر صديقاً له أنه لو شاهد إيهاب سيضربه ويكسر عظامه.

حجر مالي

فوجئ محبو ماجدة أن ابنتها الوحيدة قد أقامت دعوى حجر عليها من نيابة الدقي، تمكّنها من التصرف في جميع الأموال والممتلكات الخاصة بوالدتها بعد بلوغها 79 عاماً، وقالت غادة في الدعوى إن والدتها مصابة بعدة أمراض لا تمكنها من اتخاذ القرارات منها الزهايمر، لتقول ماجدة بعدها إنها هي من طلبت من ابنتها ذلك بعد أن فوجئا بشخص يرفع دعوى ضد ماجدة ومعه أوراق بها توقيعها وتنازلها عن إيجار الكافتيريا التي تملكها منذ 15 عاماً، وبنود مختلفة لا تتذكرها ماجدة وأثبت الطب الشرعي بأنها تعرضت لعملية نصب حيث إنه كان يعمل نادلاً ونصب عليها بمبلغ 20 مليون جنيه.
فاتفقت غادة مع والدتها بأن تقوم بالحجر عليها من أجل حمايتها، وخصوصاً أنها هي من تقوم برعايتها على الرغم من الخلاف الذي وقع بينهما، لرغبة ماجدة في نشر مذكراتها، وهذا ما كانت ترفضه غادة.

في وداع ماجدة

بعد ذيوع خبر رحيل الفنانة ماجدة، سارع كبار نجوم الفن لتقديم العزاء، وتوقف أغلبهم أمام تاريخها كواحدة من أبرز نجمات العصر الذهبي للسينما المصرية.

عادل إمام: وداعاً الفنانة العظيمة ماجدة الصباحي، إنا لله وإنا إليه راجعون.

شريهان: فقدنا ماجدة مصر والعالم العربي، رائدة مصرية عظيمة، من النساء اللواتي حفرن وسطرن تاريخ مصر في قلوبنا وقلوب الوطن العربي، عزائي لحبيبتي ابنتها الغالية غادة نافع وأسرتها الكريمة وجمهورها، لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأَجل مسمى.

نادية الجندي: خالص التعازي لابنة وأسرة ومحبي الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحي التي رحلت عن عالمنا اليوم وتركت لنا أعمالها الجميلة وبصمتها الواضحة، فنانة قدمت، وساهمت في صناعة السينما المصرية والعربية كممثلة وكمنتجة وأثرت الحقل الفني بالأعمال الجميلة المتميزة، الله يرحمها يا رب.

خالد يوسف: رحم الله الفنانة ماجدة الصباحي وأسكنها فسيح جناته بحجم عطائها وعظيم رحمته، كان أستاذي يوسف شاهين يحبها ويحترمها كثيراً، كان يلقبها بعاشقة السينما وكان يقول عنها إنها استخدمت كل ما تملكه وكل مدخراتها وكل جنيه كسبته من السينما لتضخه في صناعة أفلام.

إلهام شاهين: نعزي أنفسنا في وفاة الفنانة القديرة ماجدة الصباحي، الله يرحمها رحمة واسعة لا حدود لها ويجعل مثواها الجنة، أسعدتنا بفنها الجميل الراقي.

كارمن لبّس: الفنانة الكبيرة ماجدة في ذمّة الله، الله يرحمها، أتقدم بالتعازي الحارة لشعب مصر الحبيب وأهلها ومحبيها.

هند صبري: رحلت اليوم واحدة ممن جسدت معنى صناعة السينما بمعناها الحقيقي، فهي ممثلة ومنتجة وهبت حياتها للفن العربي وقدمت أدواراً عبّرت عن هموم وآلام المرأة العربية والمصرية.

أحمد السقا: وداعاً الفنانة العظيمة ماجدة الصباحي، إنا لله وإنا إليه راجعون.

إسعاد يونس: وداعاً ماجدة، وداعا يا الجميلة.

صابرين: الله يرحمك ويسكنك فسيح جناته ويلهم محبيك وغادة حبيبتي الصبر والسلوان.

فيفي عبده: إنا لله وإنا إليه راجعون، في ذمة الله النجمة القديرة ماجدة الصباحي، الله يرحمها ويصبَّر أهلها.

منة فضالي: إنا لله وإنا إليه راجعون، في ذمة الله النجمة العظيمة جميلة بوحريد، ماجدة الصباحي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن