ثقافة وفن

«كاسِرات» في منحوتاته يقدّم تجارب متراكمة الخبرات … عفيف آغا لـ«الوطـن»: المشاعر هي الموجّه لحافز الإنجاز مهما بلغت الصعوبات

| سوسن صيداوي

«كاسِرات… هي أوكسيد الحياة… في الطبيعة والإنسان… كسر السكون ليجري النسغ… كسر الخواطر لينمو الحب… كسر الصمت ليخفق النبض… كسر القيد لنحيا الحرية… كسر الخوف لنحمل الشجاعة… نحيا بالأمل رغم الاحتراق… ونصبح نسخة جديدة من الطاقة والطبيعة… بسرعة الضوء بالفراغ… لكسر الظلام والظلاميين… حتى نرى جميعاً الحقيقة». بهذه العبارات قدّم النحات عفيف آغا معرضه الرابع عشر المقام في صالة (عشتار) بدمشق، عبر تسع وثلاثين منحوتة متفاوتة الأحجام ومن خامات متنوعة، كخلاصة لسلسلة من التجارب والأعمال التي لها علاقة بالذات البشرية، وتغوص إلى أعماق الإنسان مع علاقته بالطبيعة، معززاً حالته هذه في التكوين النحتي عبر سرعة الضوء بالفراغ، لنشر الوضوح والرؤية.
كاسِرات… اسم المعرض

في الافتتاح لاحظنا أن المنحوتات تجسّد الأنوثة والطبيعة، مع تنوع في ملامح وجوه ضمن حالات شعرنا بها أن هناك الحياة والأمل مع الحب والشجاعة والحرية، وهذه المفاهيم جاءت لتتناقض مع اسم المعرض «كاسِرات» ليأتي كلام نحاتنا عفيف آغا موضحاً اسم المعرض «كاسرات» لأنه منها تأتي الطاقات الهائلة، فبكسر الخواطر يكون هناك التعويض الممزوج بمشاعر الحب والامتنان للحياة، وأيضاً عند كسر القيود يأتي رد الفعل بمنح الشخص طاقة للحرية وكسر الخوف مع فيض كبير من الشجاعة. بمعنى أننا كلما حفزّنا هذه العناصر الداخلية عند الإنسان، كان عنده طاقة أكبر وإيجابية أكبر.
كي نعزز الحالة التي نتكلم عنها ونحاول تجسيدها في التكوين النحتي المطلوب بتعزيز سرعة الضوء بالفراغ، فإن الضوء هو كاسر للظلام والظلاميين عبر انتشار الحقيقة والوضوح والرؤية التي نريدها، عبر خلاصة تجارب متوافقة بين الجديد والقديم، بمعنى أنا أحاول أن أظهر هذه الحالة من خلال إثبات العلاقة مع الطبيعة وربطها بالأشياء الداخلية الصامتة مع الإنسان، المشاعر والأحاسيس والمكنونات وعلاقتها بحركة الإنسان وبتطوره ووعيه».
وفي حديثنا تابع نحاتنا شرحه لمنحوتاته التسع والثلاثين المتفاوتة الأحجام والمتنوعة الخامات، ليقول: «العمل الفني في النحت هو تكوين الكتلة بشكل متوافق مع سرعة الضوء في الفراغ، حتى نمنح هذه الكتلة الشكل المطلوب ضمن خلق جديد يتماشى مع الفكر والمشاعر المكنونة بداخلي. هذا وما ضمه المعرض من منحوتات هي تجارب، جاءت نتيجة تراكم خبرات، وبالطبع تنوعت الأعمال بين خامات الحجر-الغرانيت والصوان والبازلت والحجر الصخري الرخامي والأونيكس- مع الخشب، وأحب أن أشير إلى أن الحجر القاسي يبعث في داخلي تحدّياً للمادة الخام، من حيث تطويعها والوصول للشكل المطلوب من خلال ربط المشاعر التي هي الموجه الأقوى خلال عملية الإنجاز، فهي الحافز للسيطرة على المادة مهما بلغت الصعوبات مع الاستمرار بالعمل كي أنتصر عليها».
وعن ارتباطه بالطبيعة ومحافظته على ما تقدمه لنا عبر الزمن من تكوينات أضاف: «أحياناً الحجر الذي بين أيدينا يكون فيه شيء مميز من الخارج، واحتراماً لهذا التكوين أعمل بطريقة لأحافظ عليه ولو تمت السيطرة على الكتلة بالكامل وحولتها إلى شيء جديد، بمعنى تأتي التغييرات لتكون غير مؤذية، بل أيضاً ضرورية من حيث إبراز جمالية العمل، وكما أسلفت مع المحافظة على تكوين الحجر».
وأخيراً عن الحركة التشكيلية وعلى الخصوص في النحت أشار النحات عفيف آغا: «من المؤكد أن الحركة التشكيلية تأثرت بالأزمة والحصار المفروض علينا، ولكن جميع الفنانين يعملون على إنعاش حالتهم الروحية في الاستمرارية رغم الصعوبات المفروضة وبغض النظر عن الربح المادي الذي يمكن أن يحققه، لأن في الإنجاز متعة لا يمكن للفنان أن يوصفها، فالإنجاز يعبر عن فكر الفنان وذاته، وهو المتنفس إزاء ما يدور حوله من ظروف أو ما يواجهه سواء من ضيق المحترف أو من حيث تأمين المواد الخام أو حتى الظروف المفروضة والتي تعوق الإنجاز، ولكن في النهاية مهما صعبت الظروف فلابد أن يعمل الفنان وأن يستمر فلا يمكنه أن يقف مكتوف اليدين».
كلمةُ نحاتٍ زميل

من الوسط التشكيلي النحتي نفسه حدثنا النحات غازي عانا عن تجربة فناننا قائلاً : «أنا تعرفت على أعماله منذ فترة ليست بقصيرة، وفي الحقيقة أول ما شدّني مهاراته التقنية، التي لابدّ أن تُدهش كل من شاهد عملاً لهذا الفنان الذي تحسبه للوهلة الأولى صائغاً مبدعاً لمجوهرات من الحجر. وبعد أن تعرفت أكثر على تجربة النحات عفيف آغا في الحقيقة: فقد نكون ظلمناه- على الأقل- تشكيلياً، لأن معظم أعماله تعتمد الواقعية المبسطة التي غالباً ما يغيب فيها الشكل لمصلحة التعبير، كما في أعمال البورتريه- على حين في التجريد الذي لا يتقصّده الفنان أكثر من إخلاصه لعمل الطبيعة عليه منذ ملايين السنين، إلى لحظة اختياره والتقاطه الحجر من مكانه الأساسي-دون غيره- من الخامات الحجرية كي يكمل تلك الحكاية لنا على طريقته هو، وبلغته من دون أن تفقد المادة بعض خاصيتها وقوامها، بل أيضاً دهشتها الأولى التي ستحمل -لا شكّ- حرارة مشاعر الفنان وفيض أحاسيسه في تلك اللحظات من الحوار والعلاقة بينهما. إذا هذا الحوار شاق وماضٍ لنهاية مختلفة ومفاجئة من حيث نهوض الكتلة وتشكّلها تدريجياً باتجاه حالة راقية من الحضور، مع ما يتخلّلها وما يحيطها من فراغ حميم يرسم بالضوء حدود الكتلة التي غالباً هي خلق لحالة جمالية مختلفة تحفّز بصيرتنا قبل العين على الاكتشاف، وقراءة ما وراء الشكل المصوغ بعناية فائقة على الرغم من صعوبة تلك المحاولة أدبياً، وهذا ما يجعل أعمال عفيف آغا تنهض بحيوية وحرية مطلقة باتجاه آفاق أكثر رغبة في الصمت رغم الضجيج الذي تثيره في مخيلة المتلقي لكثير من الحوار الذي يبدأ ولا ينتهي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن