ثقافة وفن

بلا حدود…. طاقة هائلة في جرعة سحرية .. هل يمكن للإنسان أن يتجاوز كل الحدود بعقار مستقبلي خارق؟

ديالا غنطوس :

عندما تعجز الروح عن البوح، وعندما تتوقف المشاعر عن التدفق، ماذا يبقى للمرء أن يفعل؟ عندما تقف جميع السبل مكتوفة الأيدي عاجزة أمام أي حركة، وعندما تغلق الأبواب في وجه الإنسان ولا تقوى كل محاولاته، وجهوده المبذولة على إيجاد مساحة أمل يخرج منها ليرى النور. بعد كل ذلك الانهزام والانكسار هل يستطيع الوقوف مجدداً؟ قد يرى الإنسان من بعيد واحة غنًاء تناديه لينهل من مائها العذب، تتلألأ بدلالٍ أمام عطشٍ يكاد يقتل صاحبه، فلا يجد بُداً من السير بلهفة الظمآن إلى ما يروي روحه، ليكتشف زيفها لاحقاً وتزيده الخيبات ألماً، بادئاً رحلة البحث الأخيرة عن طاقة سحرية موجودة في مكان ما، فهل يستطيع؟ تلك هي الفكرة الأساسية التي يطرحها المبدع نيل بيرجر مخرج فيلم (بلا حدود – Limitless) والذي يقدم من خلاله حلاً سحرياً للتغلب على خيبة الأمل القاتلة.

في طابع يغلب عليه الخيال العلمي تأتي فكرة الفيلم الرائع الذي يبدأ من لقطة ما قبل النهاية ثم يعود سريعاً إلى البداية ليسرد قصة حياة مؤلف الكتب إدوارد مورا، (جسد شخصيته النجم اللامع «برادلي كوبر»)، إذ يعاني مورا من تشتت وفوضى عارمة تسيطر على حياته، ما يؤدي لفقدانه القدرة على التركيز وتسيير أموره المعيشية على نحو صائب، عدا عن عدم تمكنه حتى من الشروع في تأليف الكتاب الذي تعاقد مسبقاً مع إحدى دور النشر لتأليفه. تتطاير الكلمات من رأسه وتهرب إلى عمق العمق واضعة إياه أمام شاشة الحاسوب كقطعة من حجر. تفاصيل الفيلم تعكس نمط الحياة المزري لإدوارد، الذي يقطن في منزل مزر تعمه الفوضى الكاملة، مع حبيبته ليندي (آبي كورنيش)، التي تقرر هجره بعدما تلقت ترقية في الصحيفة التي تعمل بها وبعدما فقدت أي أمل في إصلاح حاله.
يهيم إيد خائباً في طرقات نيويورك بعد أن افتقد بهجران حبيبته له مصدر التمويل الوحيد الذي يتكئ عليه، الحل السحري يأتي عندما يصادف شقيق زوجته السابقة الذي كان يعمل في تجارة المخدرات، ويتبادلان أطراف الحديث حول الفشل الذي يعتري دماغ إيد جاعلاً منه عاجزاً أمام أي إنتاج فكري. العرض يكون على هيئة عقّار غامض يمنح متعاطيه جرعة فائقة من النشاط مستخدماً كامل قدراته العقلية بما يفوق الحالة العادية بعشرات المرات ما يمكنه من تجاوز مشاكله وتخطي العوائق، بالطبع كان عرضاً لا يقاوم بالنسبة للكاتب العاجز.
بمجرد ابتلاعه الحبة الأولى وخلال ثوانٍ معدودة يحدث تبدل مفاجئ بطريقة تفكيره، ويلحظ نمو قدرته على استذكار المعلومات التي قرأها في كل مراحل حياته وتتدفق في ذهنه لتكون في متناوله ليستحضرها متى شاء ويستخدمها عند الحاجة، ويسمح له الصفاء الذهني بأن يعاود ترتيب حياته ويجد بنفسه الطاقة الهائلة لإعادة تنظيم المنزل، ويأتيه الدفق الفكري الذي يمكنه من تأليف عدة صفحات من الكتاب خلال يوم واحد فيقدمها إلى المسؤولة في دار النشر التي يصيبها الانبهار من روعة ما قرأت، وبعد مرور هذا اليوم السحري يخلد إدوارد إلى النوم ويستيقظ صباح اليوم التالي ليكتشف أن المفعول الخارق للعقار قد نفد، وأنه شخصيته الفوضوية ذات القدرات الذهنية الخاملة والمحدودة قد عادت إليه، ما يدفعه للبحث عن شقيق زوجته السابقة «فيرن» ليستجدي منه جرعة أخرى من العقار، لكن حين عثر عليه يقع في مأزق رهيب، فقد وجده مقتولاً في شقته بشكل غامض، وبالتأكيد فإن فيرن يعد جزءاً من شبكة أكبر تدير عملية إنتاج هذا العقار وتطويره. يتمكن إدوارد من العثور على كمية لا بأس بها من الأقراص في شقة فيرن فيأخذها ويداوم على تعاطيها، لتمنحه قدرة فائقة على تحقيق النجاح الذي لطالما حلم به عبر استخدامه لقدراته العقلية على نحو تام في التفكير وتحليل البيانات والمعطيات بشكل خارق وصائب، وبالتالي فإنه يفعل كل ما يريده بإتقان و«بلا حدود»، ينتهي من تأليف كتابه في أربعة أيام، ويكتشف في نفسه موهبة العزف على البيانو، ويتمكن من تعلم جميع لغات العالم في زمن قياسي، ويكسب الأموال من خلال معرفته بأصول المقامرة ولعب الورق، ويبرع باجتذاب النساء، عدا عن اكتشافه المقدرة على إتقان القتال، وذلك في أحد المشاهد حين يتعرض لمضايقة في محطة المترو فيضطر للشجار مع المعتدين ويسترجع في ذاكرته بسرعة البرق أحد المشاهد القتالية التي شاهدها سابقا في فيلم لجاكي شان، لكن الأهم من كل ذلك هو تعلمه للمقامرة والبيع والشراء في سوق الأسهم والأموال، وهو ما مكّنه من الصعود وبلوغ القمة بشكل أذهل جميع المحيطين به، جميع تلك الخوارق التي ملكها جعلته محط أنظار الصحف واهتمامها فبالغت في وصفه بأنه نبي من الأنبياء أو إله خارق!! وهذا ما جعله هدفاً لرجل الأعمال الشهير الذي يعمل في مجال الطاقة كارل فان لون «روبرت دي نيرو» الذي التقطه وقدم له عرضاً سخياً ليعمل مستشاراً لديه لدراسة الصفقات المستقبلية وتحليل اتجاهات البورصة.
ومع ذلك فإن حياة إدوارد المخملية لم تخل من المنغصات التي عكرت صفو نجاحه، فالخوف من نفد مخزونه من الأقراص السحرية كان هاجساً بالنسبة له، ما دفعه للاتفاق مع أحد الكيميائيين على إجراء بحوث مخبرية لتصنيع عقار يتطابق مع العقار الذي يتعاطاه، لكن المؤسف بالأمر أن تلك البحوث ستستغرق من الوقت ما يفوق ستة أشهور قبل التمكن من إنتاج هذا الدواء، فهو الآن في سباق مع الزمن بالتزامن مع معاناته من الأعراض الجانبية للدواء، فيصاب بالهلوسة وفقدان الذاكرة في بعض الأحيان.
يقفز بنا مخرج الفيلم مدة ستة أشهر بعد نجاة إيدي بأعجوبة من محاولة قتل، ودون الكشف عما جرى خلال هذه القفزة الزمنية، نرى إدوارد مورا مرشحاً لانتخابات مجلس الشيوخ عن مدينة نيويورك، وهو في خضم حملته الانتخابية يفاجأ بزيارة غير متوقعة من صاحب مؤسسة للصناعات الدوائية وهو أحد أكبر الممولين لحملته الانتخابية، رجل الأعمال كارل فان لون، الذي يكشف له علمه بأمر العقار الذي يتعاطاه، ويخبره بأن مؤسسته قد قامت باحتكار تصنيع هذا العقار بشكل سري، ليبدأ الابتزاز بعرض إمداد إدوراد بالدواء بشكل دائم ودعمه للوصول للرئاسة مقابل تعاونه المستمر معهم وتنفيذ طلباتهم وتبني أفكارهم أثناء وجوده في مجلس الشيوخ، لكن المفاجأة كانت برفض مورا لهذه الصفقة، وإعادة خلطه للأوراق حين أعلن أنه أقلع عن تعاطي الدواء منذ مدة، مع احتفاظه بذات القدرات الدماغية الفائقة لا بل إنه طورها فبات خارقاً لقواعد الزمان والمكان، ليقلب بذلك السحر على الساحر، بتحوله من تابعٍ مسَيطرٍ عليه إلى شخص ناجحٍ متحررٍ من القيود التي تفرضها قواعد اللعب مع الكبار، لتضعنا نهاية الفيلم أمام مواجهة مع ذواتنا، مفادها أن الأهم من قدرتنا على الاستخدام الكامل لخلايانا العصبية في دماغنا البشري، هو كيفية استخدامنا لها وتوجيهها وما الذي سنصنعه بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن