ثقافة وفن

الوطن روح ..

د. اسكندر لوقا :

كذلك أفهم من رسالة قرأتها على صفحة المواطنة العربية السورية «تيماء» المقيمة في مدينة أوستن عاصمة ولاية تكساس الأميركية تتابع دراستها في اختصاص الهندسة الطبية.
تخاطب «تيماء» من يهمهم الأمر من الأميركيين بوضوح: أنا سورية. ولدت في سورية. لدي عائلة في سورية. أعرف ثقافتها ولغتها. وأيضاً أعرف تاريخها. أنا أعرف ماذا يجب أن نعمل من أجل سورية. ولكن ما أريد قوله للبعض من سياسيي وزعماء أميركا ممن لا يعلمون شيئاً عن سورية: رجاء اخرسوا..
بمثل هذه العبارات المؤثرة حاولت «تيماء»، هذه الشابة التي عاشت في حلب قبل انتقالها إلى تكساس للدراسة، حاولت أن تقول للسياسيين الغوغائيين في الولايات المتحدة لأنكم لا تعرفون من هي سورية، أقول لكم: إنها ليست مجرد أرض بل هي روح. وبدافع من هذه الروح، لا يخشى أي مواطن سوري شيئاً يمنعه من رفع صوته ويطالب أعداء وطنه بأن يخرسوا.
كانت تيماء تدرك جيداً أن السكوت عن الحق لا يغفر للمرء خطيئته لأنه، بسكوته عن الحق، يكون مشاركا في ارتكاب فعل الخطيئة التي ستبقى تؤرقه إلى آخر حياته، وخصوصاً في حال آمن بأن الزمن لن يسامحه عن تبعات عمل ارتكبه وأساء به لسواه عن عمد.
ونفهم من كلام «تيماء» هذه الشابة التي يشهد لها مدرسوها كما تشهد لها جامعتها بأنها مثال المواطن العربي السوري في بلاد الاغتراب، وأيضاً كما نفهم من كلامها بأنها لم تنس يوماً أن لها وطنا بمثابة روح، تعرف لغته وثقافته وتاريخه وفيه أهلها وكلما جاء ذكرها بينهم ازدادوا قناعة بأنهم لم يرسلوها لاستكمال دراساتها العليا في الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً لتكون صوتا بين الأصوات التي تطالب كل من لا يعرف سورية بمكوناتها الاجتماعية كافة ومع ذلك يتدخل بشؤونها الداخلية بأن يخرس، لأن القافلة السورية ماضية إلى هدفها الذي تنشده، والباقي من هذا القول معروف.
تحية لأبناء شعبنا في سورية، أينما كانوا، وخصوصاً عندما تكون سوريتهم دينهم الذي يؤمنون به ولا أحد قادراً على اقتلاعها من ذاكرتهم، مهما طالت غيبتهم عن أرضهم التي سقتهم بمائها النمير، وأطعمتهم بناتج أرضها المقدسة، وغمرتهم بدفء شمسها وطالما ردت عنهم ولا تزال سهام الغدر. لهذه الاعتبارات يحق لنا القول إما هكذا تكون عقيدة المواطنة في عقول أبناء سورية، داخل جغرافيتها وخارجها، وإما أن تبقى منقوصة.
هنا أستذكر، للفائدة، قول الأديب والناقد والشاعر العربي السوري قسطاكي الحمصي [1858 – 1941]: إن انتماء الإنسان لوطن غير وطنه الأصلي لا يبرر قطع جذوره منه لأي سبب كان، ولا أحد أحب وطنه الأم يستطيع أن يتخلص من انتمائه إليه.
تلك هي خلاصة ما أرادت قوله الفتاة النبيلة بكل معنى الكلمة «تيماء» البعيدة عن مدينتها الجريحة حلب وهي تتابع دراستها الأكاديمية في جامعة تكساس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن