الأولى

واشنطن: التأرجح يولّد اليأس

بيروت – محمد عيد :

هل ازداد يأس الإدارة الأميركية من إمكانية التأثير الفعلي في مسار الصراع في سورية؟ سؤال يطرحه الكثير من المتابعين في هذه الإدارة وحولها للوضع السوري، انطلاقاً من عوامل عدة أبرزها:

أولاً: إنها، أي الإدارة الأميركية، منذ البداية كانت ومازالت تتأرجح في مقاربتها لهذا الصراع وخصوصاً أنها اعتمدت سياسة عدم التورط المباشر والاكتفاء بدعم الأتباع من الحكام في تركيا وفي بعض دول وممالك الخليج، مع ما يعني ذلك من انتفاء لرغبتها وفي حالات أخرى لقدرتها على التحكم بسياسات هؤلاء الحكام الذين حاولوا الاستثمار في هذا الصراع وفق حساباتهم السياسية الخاصة تجاه سورية، انطلاقاً من موقعها ودورها الإقليميين اللذين عطلا مشروع الحكام المعنيين استيلاء أنظمة طائفية ومذهبية تشبه أنظمتهم في بعض الدول العربية والإسلامية المعتدلة فعلاً كمصر وتونس وسورية، وأيضاً وفق حساباتهم الشخصية مع الرئيس السوري بشار الأسد بناءً على موقفه الثابت والداعم بل المؤسس في مشروع المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، والذي أعاد مسألة الصراع مع هذا العدو إلى نقطة البداية بعدما كان هؤلاء الحكام قد قطعوا شوطاً في تجميل صورة إسرائيل لدى بعض الرأي العام العربي على أساس مبدأ التعاطي بواقعية سياسية!

ثانياً: إن سياسة هذه الإدارة والتي هللت لها تجاه ما يسمى تنظيم «داعش» في سورية لم تتجاوز المنطلقات والآليات ذاتها التي كانت ومازالت تعتمدها تجاه التنظيم نفسه أو تنظيمات مشابهة كالقاعدة وفروعها مثلاً في دول عربية وإسلامية أخرى والقائمة على مبدأ حماية الأمن القومي الأميركي، ما يعني بالتالي أنه لا خصوصية «سورية» لموقف واشنطن من هذه التنظيمات.

ثالثاً: إن سياسة الإدارة الأميركية تجاه الصراع في سورية وعليها لم ترتقِ يوماً إلى مستوى أن تكون إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف، لذا كانت ومازالت مربكة حتى في تعبيراتها السياسية وتصريحاتها الإعلامية التي وصلت في بعض الحالات إلى حد الإحراج أمام الرأي العام، مثال ذلك: التغيير والتناقض في المواقف بين ما يحكى في الاجتماعات السياسية وما يتم الإعلان عنه أمام وسائل الصحافة والإعلام حول دور وموقع الرئيس الأسد في مستقبل سورية.

رابعاً: إن إدارة واشنطن، وعلى الرغم مما تعلنه عن رغبتها في إيجاد مسار تفاوضي يؤدي إلى حل سياسي في النهاية، إلا أن معظم أركانها يدركون أن الحديث عن حل سياسي ليس سوى وهم لأن التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها «داعش» لا تريد التوقف عن الحرب وترفض أي شكل من أشكال التفاوض.
في ظل هذه المعمعة السياسية الأميركية والاستنزاف الأوروبي بسبب أزمة اللاجئين السوريين والفشل التركي- الخليجي في زعزعة الدولة في سورية، انتقل الموقف الروسي من سياسة الحماية الدولية التي وفرتها لسورية ومنعت استفرادها ومن الحرص على دعم الجيش العربي السوري عسكرياً وتأمين جميع احتياجاته اللوجستية التي تضمن تفوقه وتعزز قدراته الميدانية، إلى المشاركة المباشرة إلى جانب هذا الجيش وحلفائه في الحرب الفعلية لا الشكلية- كما هو حال ما يسمى التحالف الدولي- على الإرهاب بجميع أشكاله المعلنة والمُضمرة.
بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين يمنّون أنفسهم بأن هذه المشاركة الروسية ليست سوى بداية لتورط سيتعمق إلى حد إغراق موسكو في وحول المنطقة وبالتالي سيدفعها ذلك إلى القبول بحلول سياسية تبدأ من التخلي عن الرئيس الأسد .. ولكن تبقى الكلمة للميدان الذي له الكلمة- الفصل في حسابات الربح والخسارة التي ستنسحب على التوازنات الدولية قبل الإقليمية انطلاقاً من سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن