قضايا وآراء

ميزان القوى الإقليمي ودوره الحاسم في الانتصار على الإرهاب وحلفائه

تحسين الحلبي :

يبدو من الواضح أن رقعة العالم القديم آسيا وإفريقيا (وأوروبا إلى حد ما) بدأت تزداد في دولها الحروب والاستقطابات لحروب محتملة أو مقبلة بينما لا يستبعد الكثيرون أن تكون دول أخرى تستعد لمواجهة حروب لم تكن تتوقع حدوثها..
فهذا الاستنتاج يظهر علناً حين نجد دولاً أوروبية ترسل وحدات لها أو أسلحة إلى دول أخرى مثل العراق وبعض الدول الإفريقية (مالي) والكاميرون ونيجيريا وغيرها بحجة إيقاف الحروب الداخلية التي تشعلها المجموعات الإرهابية التكفيرية..
وفي منطقة أوروبا يزداد انتشار قواعد الصواريخ الدفاعية الجوية الأميركية في الدول المجاورة لروسيا الاتحادية، وتتعاظم بالتالي الاستعدادات الروسية العسكرية لتحقيق أكبر قدر من قوة الردع لأن الانتصار الأكثر جدوى هو منع الخصم أو العدو من اللجوء إلى الحرب عن طريق الردع.
لكن الأسابيع القليلة الماضية تدل بموجب آراء معظم المحللين في الغرب والشرق على أن انتقال سلاح الجو الروسي للعمل جنباً إلى جنب مع الجيش السوري فوق الأراضي السورية شكل أهم حدث عالمي في هذا الخريف، فقد هز الولايات المتحدة بشكل لم تكن تتوقعه إلى حد جعل (بريجينسكي) مستشار الأمن القومي الأميركي سابقاً يطالب إدارة أوباما بالتحرك بجميع أشكال التهديد والاستعدادات العسكرية للتغلب على هذا الدور الروسي الذي سيحمل معه أكبر ضربة لإستراتيجية الهيمنة الأميركية.. كان بريجينسكي يدرك في دعوته هذه أن أوروبا الغربية التي كانت في عهد الحرب الباردة ساحة يهيمن عليها القرار الأميركي لم تعد في هذه السنوات نفسها رغم اتساع رقعة حلف الأطلسي في أوروبا الشرقية.
ولذلك تشير مجمل التحليلات والدراسات الأميركية والأوروبية إلى عدد من الخيارات الأميركية المطلوب تحقيقها في هذه الظروف وإلى عدد من السيناريوهات الناجمة عنها.. ففي الموقع الإلكتروني الأميركي (وور- أون- ذاروكس) Waron the rocks يرى المختصون أن على إدارة أوباما زيادة تسليح الدول المتحالفة معها وتوفير الفرصة لها لإنتاج الصواريخ المناسبة لكي تتولى هذه الدول بنفسها حماية المصالح الأميركية والانخراط في حرب من دون مشاركة مباشرة من القوة العسكرية الأميركية ويستشهد (معهد بروكينغز) بوسائل الدعم المباشر الذي تقدمه واشنطن للرياض في حربها على اليمن كنموذج للحرب بين دولتين وبإرسال السلاح والذخيرة للمجموعات المسلحة الإرهابية فوق الأراضي السورية وعبر حدود سورية لمحاربة الجيش السوري والجيش الروسي الذي يدعم سورية، وهذا ما ظهر علناً حين أعلنت واشنطن أنها أرسلت خمسين طناً من الذخائر والعتاد لما يسمى (المسلحين التابعين للمعارضة المعتدلة) لكن قواعد اللعبة الأميركية هذه جرت مجابهتها فوراً بتحذير روسي مباشر للولايات المتحدة من أي تجاوز أو تصعيد في مثل هذه العمليات لأن ميزان القوى الإقليمي والداخلي السوري بعد الإجراءات الروسية الأخيرة في مساندة سورية ضد الإرهاب لا يميل إلى مصلحة الولايات المتحدة أو حلفائها وهذا ما أشار إليه مركز أبحاث (مشروع النظام الدولي والإستراتيجية الأميركية) التابع لمعهد بروكينغز حين ذكر أن القوة الإقليمية الإيرانية أصبحت هي القوة الأكبر في المنطقة في حين أن تركيا لن يكون بمقدورها من دون تدخل حلف الأطلسي تقديم أي مساندة فعالة، كما أن تدخل الحلف عسكرياً سيهدد العالم بحرب عالمية… ويستنتج هذا المركز بأن روسيا لديها في المنطقة جيوش حليفة ذات تجربة وخبرة عسكرية طويلة مثل إيران وسورية ومنظمات مسلحة (من غير الدول) أثبتت وجودها العسكري وفعاليتها مثل حزب الله في لبنان بينما تفتقر الدول الحليفة لواشنطن مثل السعودية وتركيا ودول الخليج والأردن لأي خبرة عسكرية تذكر.
وسيظل الوضع الإقليمي لحلفاء روسيا في الشرق الأوسط لمصلحة الأهداف السورية والإيرانية والروسية المشتركة وقدرة هذه الدول على استقطاب العراق وإخراجها من دائرة التحالف الأميركي تدريجياً أو تحييدها في أسوأ الاحتمالات… وبالمقابل لن يكون من مصلحة واشنطن الانتقال إلى المشاركة العسكرية المباشرة في أي تطورات عسكرية تهدد مصالحها في المنطقة طالما أنها ستقود إلى حافة هاوية الحرب العالمية التي يرفضها المجتمع الدولي وخصوصاً أوروبا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن