من دفتر الوطن

سن اليأس الصحفي!!

عبد الفتاح العوض :

صحفي معروف كتب في افتتاحية جريدة الحياة هذه الجملة اليائسة «لا يحتاج الأمر إلى زيارة لدمشق ليكتشف المرء أن الموت البطيء يغتالها من الوريد إلى الوريد».
هو يكتب من شرفته في بيروت عن الموت البطيء لدمشق.. هي عادة الكثير من «المثقفين» الذين يمنحون لأنفسهم حق التشخيص والتحليل وإعلان النبوءات السوداء ولا أقول الرايات السوداء.. بل هم يرفعون الرايات البيضاء استسلاماً ويأساً.!! لا أقصده هو كشخص بل كنموذج لـ:«النخبة» التي وصلت إلى سن اليأس.
من حق الناس أن تيئس.. من حقهم وهم يروون حدود الدم، هي التي ترسم أوطاننا أن يلبسوا أكفانهم وينتظروا أقدارهم.
لكن ليس من حق المثقف أن يتحول إلى بائع اليأس ومستشار التشاؤم وقواد الحزن.!
مع دمشق.. عندما يصبح الحديث عن دمشق ليس الأمر مجرد عدم حق أحد بذلك.. بل يصبح اليأس محرماً والتشاؤم ممنوعاً، اليأس كلمة لا توجد في قواميس حياتها.
دمشق تحزن أحياناً.. تمرض أحياناً أخرى، تضجر من أصوات جيرانها.. لكنها مدينة تتقن صناعة الحياة.. دمشق مدينة تمنع اليائسين السكنى فيها، ومع ذلك تعرف كيف تحول أحزانها إلى أحزان نبيلة مترفة بالكبرياء.
مرّ عبرها كثيرون.. جبابرة وزهاد.. سلاطين ودراويش، طغاة ومتصوفة.. أشرار وأطهار فقط احتفظت بقلبها لعشاقها.. وللمؤمنين بها وبمن يشبهونها بالروعة.
غير هؤلاء هجرتهم وهجروها وصاروا يكتبون عنها بعيداً عنها وتاهت بهم السبل وضاق بهم العقل.
الذين يعيشون الآن في دمشق.. بعد نحو خمس سنوات ملأى بالمآسي يعرفون كيف تستطيع هذه المدينة أن تعيش مترفعة عن أحزانها.
يدركون بالمعايشة كيف استطاعت أن تكون أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ- يا سيد الموت البطيء- ليست عبارة «سياحية» ليست مجرد جملة في كتيبات الترويج والتسويق.. هي عبارة مصنوعة من آلاف السنين، إنها ماركة مسجلة في دمشق.. ولدمشق حصراً.. ندرك ونعيش إدراكنا سلوكاً بأن الخرائط التي تمر من هنا أو هناك تزعجنا وتحزننا وتؤلم خاصرتنا.. لكننا أيضاً ندرك أن هذه هي حياة الأمم العظيمة تصارع وتقاتل ومن ثم تهادن وتسالم.. وهي في كل حين تزرع ورداً وزيتوناً.. وأملاً.. ممنوع اليأس.. هذه عبارة مكتوبة هنا على كل أحجار وأشجار الشام.

أقوال:
عندما تغضب المرأة تفقد ربع جمالها، ونصف أنوثتها، وكلّ حبها! «نجيب محفوظ»
وطنٌ أعار الخلد بعض فتونه وسقى المكارم فضلة الأقداحِ. «الأخطل الصغير»
يا أيّها المستحيل يسمونك الشام. «محمود درويش»
وشمعُ دمشقَ عزيزُ الدموعِ
وكل الشموع التي في دمشقَ تحبُّ
وتعرفُ كيفَ تحبُّ
وكيفَ تعيشُ «‪راشد حسين»

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن