اقتصاد

دعوا وجدانكم في المنزل !

علي هاشم :

لو تأخر قليلاً عن خوض غمار التصريحات الصحفية، لكان احتفظ وزير التجارة «وحماية المستهلك» لمدة أطول بتلك الإيحاءات الجدية التي قرأناها في صورته التي نشرتها وكالة الأنباء الوطنية ساعة تسلمه حقيبته الجديدة!.. ظهوراته المتكررة خلال الأسبوع الماضي شارحاً «ضرورات» رفع أسعار الخبز، نجحت بإبراز ضعف تعويلنا على قراءة الوجوه!!.
لم تحظ قضية القرار برفع سعر الخبز بالقدر المتوقع من الاستياء، هذا ما يمكن استخلاصه لدى متابعة القنوات المتاحة لقياس رجع الصدى، وإحقاقاً للحق، يفترض بكل من يدّعي العدل أن يحتفظ للوزير بهذا المرور الهادئ للقرار، إذ كيف لأحدنا أن يتذكره أو يهتم به أمام القدرة المذهلة للوزير على رفع «الضغط»!.
في معرض تسويقه لقرار الخبز، أعلمنا الوزير أن «لا دافع للحكومة بأي إجراء تتخذه سوى تطبيق وجدانها لتحصيل نفقات الدولة» وأن «خزينتها هي جيوب رعاياها» متسائلاً باستنكار عما إذا كان «من المعقول أن يترك كيلو الخبز بـ12 ليرة والحكومة تنفق أكثر من 86 ملياراً دعما للحنطة» قبل أن يطرح خلاصته الفيثاغورثية بأن «إخفاق الحرب على سورية أصبح أمراً محتماً وبناء عليه قامت الحكومة بدراسة إمكانية تدوير الدعم»!.
رغم الاختلاف الصارخ في نياتنا، يمكننا الوقوع على نقاط التقاء مع الوزير، لكن -بالطبع- من حيث يقف كل منا، فجميعنا يؤمن بأن «وجدان الحكومة» هو المتهم الأول في تحصيل «نفقات الدولة» من جيوب المواطنين، لأنها -ولسبب ما- تؤمن بأن تلك الجيوب هي بالفعل «خزينتها» التي تمد يدها إليها ساعة تشاء لسد عجزها، ناهيك عن أن الحرب، التي باتت وراء ظهورنا، لم نعد نتذكرها إلا حين «تقصف» الحكومة جيوبنا بقرارات جديدة!!..
ما قد يسجل من خلاف مع السيد الوزير في هذا الجانب، يقتصر على استهجانه لـ«اللامعقول» في «ترك كيلو الخبز بـ12 ليرة»!.
من حيث المبدأ، على السيد الوزير من الآن فصاعداً البدء بشراء الخبز ليتأكد من أن سعره لم يكن 12 ليرة كما يعتقد، أما ثانياً، فلربما يتطلب الأمر تذكيره بأن الفشل الذريع للسياسات النقدية والاقتصادية هو من يتسبب بهذا التضخم المطرد في كتلة الدعم، وهو ما «يضطر» الحكومة لمد يدها مراراً إلى خزنتها المخبأة في «جيوب مواطنيها»؟!.. وكي يتيقن من دقة الفكرة، فليسأل نفسه عن سبب التزايد الهائل في كتلة الدعم «دفترياً» رغم رفعه الكامل «واقعياً» عن معظم السلع المدعومة وبقدر يزيد بأضعاف عن سعرها التنافسي قبل عامين؟!.
في قضية الخبز تحديداً، وباختصار ممكن، ثمة أسباب موضوعية لقرار الرفع الأخير، أولها: إخفاق «الأسعار المجزية» التي وضعتها الحكومة في دفق محاصيل الحبوب إلى صوامعها، قبل اضطرارنا لشرائه بضعف السعر -استيراداً- جراء انخفاض أسعار الليرة، وهذا الأخير ذو علاقة بفشل سياستنا النقدية المعطوف بدوره على إخفاق ثالث لسياستنا الاقتصادية في استنهاض الإنتاج الوطني!..
لا عداوة صماء مع تعديل سياسة الدعم إلا حين تثير المخاوف من استمرار مد اليد إلى «الخزنة» على الطالع والنازل، ولئلا يبقى هذا الحبل على غاربه، وما لم يرض «وجدان» الحكومة البقاء في المنزل كيما يتفرغ أعضاؤها في مكاتبهم لوضع سياسات ناجعة تقينا ما أمكن من منعكسات الحرب.. فلا حل سوى بقائهم سوية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن