قضايا وآراء

هل يحقق أوباما في الاقتصاد ما خسره في السياسة؟

د. قحطان السيوفي : 

لا يختلف اثنان على أن إدارة الرئيس الأميركي أوباما، في العام الأخير لولايته، منكفئة، ومترددة بين الابتعاد أو المواجهة… ويحاول الرئيس أوباما التعويض عن فشله في السياسة بالهروب إلى الاقتصاد وعقد اتفاقات اقتصادية وتجارية خارجية… في مسعى لحفظ ماء الوجه… الرئيس أوباما حينما بدأ فترته الرئاسية الثانية، وضع في مقدمة أولوياته إنجاز اتفاقيتين كوسيلة لتغطية إخفاقه الذريع في ملفات الأزمات الخارجية بما في ذلك موضوع الإرهاب… الأولوية الأولى إنجاز الاتفاق النووي الإيراني. أما الأولوية الثانية فكانت لإنجاز ما يسمى بـ«اتفاقية التبادل التجاري الحر عبر المحيط الهادي»، وهي اتفاقية كان في مقدمة أهدافها عام 2000 تخفيض التعرفة الجمركية، وتطبيق ضوابط قانونية للعمالة والبيئة… ثم انحصرت أهدافها عام 2011 في تعزيز التجارة والاستثمارات بين الدول الراغبة في الانضمام… في الأولى قام المفاوضون الأميركيون بجولات ماراثونية من المحادثات قبل التوصل إلى الاتفاق… الاتفاقية الثانية تم إنجازها في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر)2015 في مدينة أتلانتا الأميركية بين الولايات المتحدة و11 دولة مطلة على المحيط الهادي (كندا، المكسيك، تشيلي، بيرو، أستراليا، نيوزيلندا، اليابان، ماليزيا، سنغافورة، بروناي، وفيتنام)؛ تطلبت جولات ماراثونية من المفاوضات العسيرة منذ عام 2000 مروراً بعهد جورج بوش الابن دون نجاح، إلى أن قرر أوباما تركيز جهوده عليها للخروج بأي نتيجة كيفما كانت… علّ ذلك يساعده على تحقيق إنجاز ما، قبل أن ينساه التاريخ… وقد تعرض أوباما لانتقادات واسعة من جهات عديدة، إلا أن إدارته أعتبرتها نصراً.
الاتفاقية الاقتصادية هذه لها سلبياتها العديدة…، رغم التغطية الدعائية الإعلامية الواسعة لها من قبل إدارة الرئيس الأميركي وحزبه الديمقراطي، والقول إنها نموذج يمكن أن يـستخدم لإنجاز اتفاقية مماثلة عبر المحيط الأطلسي مع دول الاتحاد الأوروبي، وأن فيها من البنود ما يمكن أن يُجّمل صورة أوباما في عامه الأخير.
بالمقابل الاتفاقية قد تخدم مصلحة الكثير من المصدرين والمصنعين والمزارعين الأميركيين الكبار، لكن على حساب نظرائهم في الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية… وهذا ما جعل اليابان واستراليا تقفان طويلا ضد إبرام الاتفاقية… المحلل الاقتصادي الأميركي الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد (بول كروغمان) هاجم الاتفاقية بحدة ووصفها بالعمل المشوه ذي التأثيرات السلبية على العمال والمنتجين الأميركيين في قطاع صناعة السلع الإلكترونية… ومن بين المنتقدين السيناتور الجمهوري الأميركي «أورين هاتش» الذي أكد أن استعجال إدارة أوباما لإتمام المفاوضات أدى إلى التوصل إلى نتائج دون المستوى لجهة ضمان حماية كافية للمصلحة الأميركية أحد المآخذ الأخرى على الاتفاقية، والناجمة عن تلهف أوباما لإنجازها قبل أن تنتهي ولايته، هو عدم بذل واشنطن ما يكفي من جهد لإقناع كل من الصين، وكوريا الجنوبية ؛ بالانضمام إلى الاتفاقية. فغياب هذين القطبين الصناعيين والتجاريين الكبيرين المطلين على المحيط الهادي عن التوقيع على الاتفاقية، يمكنهما الوقوف عقبة أمام تطبيقها…، وتولي الصين أهمية كبيرة للإسراع في إبرام اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، واقتراح تشكيل منطقة تجارة حرة ليصبح أكبر تكتل من نوعه في العالم حيث يضم 3. 4 مليار نسمة، بالمقابل حث رئيس الوزراء الصيني دول شمال شرق آسيا على زيادة التعاون في مواجهة الرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة… أخيراً، إن أوباما تسبب بهذه الاتفاقية، في بروز انتقادات حادة حول أدائه. وهذه الانتقادات سوف تساهم في تأجيج وتيرة التنافس بصورة أكبر بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض… بل إن المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون، ووزيرة خارجية أوباما سابقاً أعلنت صراحة معارضتها للاتفاقية.
إن لجوء الرئيس أوباما إلى الاقتصاد والاتفاقات التجارية الخارجية، في العام الأخير لولايته، لن يمكنه من التعويض عن الإحباط والفشل في المجال السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن