قضايا وآراء

نجاحات الرئيس «بوتين» تُحيّر الغرب؟

صياح عزام :

تقول تقارير أعدها متابعون لحياة الرئيس الروسي السابق «بوريس يلتسين» إنه منذ أن تخلى عن السلطة طواعية كان يترنح تحت وطأة المرض والعبثية الحياتية الأبيقورية.. وإنه ظهرت عليه مظاهر الإحباط، ومطاردة الضمير، والشعور بالذنب لانهيار روسيا وتسليم مفاتيحها للغرب، بل الشعور بأنه لعب دوراً كبيراً في ذلك الانهيار المرعب للاتحاد السوفييتي السابق ووريثها الأكبر روسيا.
بالطبع، كانت صحوة «يلتسين» متأخرة بعد أن أقدم على ما أقدم عليه بحق بلاده، ولكنها قادته في الوقت نفسه إلى تصرف سياسي بدا مفاجئاً وغرائبياً كعادته وسيرته المترعة بالمفاجآت والغرائب، وتجسد هذا التصرف في استدعائه لضابط من أكثر ضباط المخابرات الروسية «كي جي بي» فتوة وعصامية وابتعاداً عن الملذات وصرامة في قراراته، والأهم من ذلك كله تمثله الواعي للمدرسة العسكرية والأمنية السوفييتية، وشعوره الوطني القومي الروسي المتقد، وإيمانه الجازم المسبق بأن قدر روسيا الدولي أن تكون القوة الوازنة للقطبية العالمية الجديدة؛ استدعاؤه الضابط ليسلمه السلطة في روسيا هذا ولم يكن أحد في أروقة الكرملين أو خارجه يتوقع مثل هذا الاختيار الذي أقدم عليه «يلتسين»، حتى إن المتابعين لخلافة «يلتسين» افترضوا أن تسليمه السلطة لشاب «مغمور وغير معروف في الوسط السياسي الروسي العتيد» -حسب رأيهم- هو نوع من تخليد الذات وحرمان المنافسين الكبار من أن يكون لهم دور قيادي في مستقبل روسيا.
والسؤال الجوهري هنا: ماذا عمل «بوتين» بعد هذا الاختيار له وتسليمه السلطة في دولة كبرى كانت على شفير الهاوية؟
أول ما بدأ في إعادة ترتيب البيت الروسي الداخلي من خلال خطوات وإجراءات مدروسة ومتأنية، كان من أهمها: التقويض الممنهج لمليونيرات المرحلة الطارئة، وإعادة تشكيل الجيش الروسي من جديد، وخاصة مسألة إحلال شامل للقيادات الشابة والأفراد، ثم إنعاش صناعة الأسلحة الروسية النوعية ، وإحياء منهجي لرابطة الدول المستقلة التي خرجت من رحم الاتحاد السوفييتي السابق، والنظر بعين الصقر الجارح للدول المتمردة على المركزية الروسية في رابطة الجمهوريات المستقلة، وفي مقدمتها: (جورجيا ومولدوفيا وأوكرانيا)، ثم حله للمشكلة الشيشانية التي استعصت على سابقيه.
هذا ومما ساعد الرئيس «بوتين» على إنعاش مشروعه القومي، الإخفاقات المتتالية للإدارات الأميركية الجمهورية في كل من أفغانستان والعراق، وبالتوازي مع تزايد ريع النفط والغاز الروسي، وصولاً إلى تركيز السلطة في يده جيداً، ما منحه القول الفصل في السياستين الداخلية والخارجية، ومنح المحاربين القدماء الأوفياء للعهد السوفييتي فرصة استعادة المجد السوفييتي الآفل.
وهكذا سارت سفينة روسيا الجديدة تسجل النجاح تلو الآخر، فكانت الضربة الأولى القاضية في جورجيا، عبر فصل (أوسيتيا) الشمالية عنها، وتلتها الضربة الثانية باستعادة جزيرة (القرم)، ودعم المطالب العادلة للشعب الأوكراني شرق أوكرانيا في بحثه عن حكم ذاتي يخلصه من اضطهاد الحكم الجديد في أوكرانيا المرتبط بالغرب.
ثم أتى الحضور العسكري الاستراتيجي الروسي الفاعل في سورية لتجنب أن يخدع الغرب روسيا كما خدعها في ليبيا، حيث قال للغرب: «أنا هنا»… «روسيا حاضرة» ولن تسمح بإسقاط الدولة السورية، في الوقت الذي تسعى فيه لحل سياسي فيها يحفظ سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها. وبدأ هذا الحضور على الأرض منذ 30 أيلول الماضي، عندما شرع الطيران الروسي في حرب (جدية) على (داعش والنصرة) وما يتفرع ويتبع لهما من تنظيمات إرهابية تحت تسميات متعددة، وأنجز منذ ذلك التاريخ حتى الآن، أضعاف أضعاف ما أنجزه التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، والذي أكدت الوقائع أنه تحالف مشبوه لا يريد محاربة الإرهاب، بل إدامته واستثماره لمصلحة الغرب.
ومن اللافت للنظر، أن موقف بوتين الحاسم هذا من الإرهاب لم يعجب الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لعدة أسباب أهمها: تعرية هذا الغرب أمام العالم وافتضاح أمر تحالفه المشبوه، ثم تأكيد روسيا أن الجيش السوري هو الركيزة الأساسية لمحاربة الإرهاب في سورية، ثم لأنه بالأساس زعيم يرفض النموذج الأميركي رغم أنه يمد اليد للولايات المتحدة والغرب عامة للتعاون في شتى المجالات، ولا سيما في محاربة الإرهاب الذي أصبح يهدد العالم بأسره، وخاصة الأمن القومي الروسي، والشيء أو السبب الأكثر أهمية هو أن الغرب لا يريد لروسيا أن تتبوأ المركز الذي تستحقه كقطب عالمي يسعى بجد ونشاط لإقامة نظام عالمي ينهي قيادة العالم من قطب واحد هو «الأميركي»، وتُطبق فيه مبادئ ونصوص القوانين الدولية دون أي ازدواجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن