ثقافة وفن

هل كان الخطيب رئيساً لسورية ورجل الانتداب فيها؟ … أسعد كوراني: «موظف عميل للفرنسيين هو بهيج الخطيب»

شمس الدين العجلاني :

بالعودة لقرارات المستعمر الفرنسي عام 1939 م وتحديداً قرارات المفوض السامي الفرنسي غبريال بيو، لم نقرأ أن بهيج الخطيب سمي رئيساً لسورية، إنما أطلق عليه اسم مدير حكومة المديرين. و من ناحية أخرى لم يحفل رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب بالسمعة الوطنية العطرة، بل كان موضع انتقاد وتهكم من العديد من الشخصيات السياسية والصحفية، وإنه رجل الانتداب بدمشق.

رئيس أم مدير؟
بالعودة إلى أغلبية الدراسات التي بحثت في تاريخ سورية وتاريخ رؤساء سورية تذكر تلك الدراسات أن بهيج الخطيب هو الرئيس السوري العاشر، أو هو رئيس دولة سورية، أو الرئيس السوري المؤقت.
وبالعودة أيضاً لقرارات المفوض السامي الفرنسي في بيروت غبريال بيو الصادرة في 8 تموز عام 1939م والمنشورة في الجريدة الرسمية للجمهورية السورية العدد 28 تاريخ 20 تموز عام 1939م، حول تنظيم الدولة السورية وهي القرار رقم 142- ل.ر، القرار رقم 144- ل.ر، القرار رقم 145- ل. ر، القرار رقم 146- ل.ر تاريخ 8 تموز عام 1939م. نقرأ في هذه القرارات تسمية بهيج الخطيب رئيساً لحكومة المديرين. ولكن المفوض السامي بيو كان قد عطل آنذاك السلطتين التشريعية والتنفيذية فغدا شأن البلاد بيد بهيج الخطيب، بعد أخذ موافقة سلطات الانتداب الفرنسي فاعتبر بمنزلة رئيس للجمهورية، أو كما قال نصوح بابيل رجل الصحافة والسياسة: «أعطيت له جميع مظاهر رئاسة الدولة، فكان يضع العلم السوري على سيارته، ويستقبل ويودع في دار الحكومة بالتحية العسكرية ويؤديها له فصيل الدرك».

شهادات
ورد في الموسوعة العربية: «ألفت حكومة المديرين الموالية للفرنسيين برئاسة بهيج الخطيب، وانتشر الاضطهاد في البلاد».
في حين يقول السياسي ورئيس وزراء سورية الأسبق خالد العظم: (سألني «المفوض السامي الفرنسي» إذا كنت أرغب في إعلامه برأيي في أمر بهيج الخطيب. فقلت له: إن المومأ إليه عمل ما استجلب له سخط الرأي العام وإنني لا أستطيع التعاون معه بشكل من الأشكال. فدافع عنه الجنرال دفاعاً شديداً، مبيناً أن الخطيب صديق فرنسا ومخلص لها وأنه لا يسعه التخلي عنه).
ويتابع العظم بالقول: «بهيج الخطيب الذي أطلق الرصاص بيده على الجماهير المطالبة بحقوقها المشروعة؟ ذلك الرجل الذي أخرج من الحكم إثر اضطرابات دموية».
أما رجل السياسة والقضاء والحكم وزير العدل السابق أسعد كوراني فيقول: «موظف عميل للفرنسيين هو بهيج الخطيب». ويقول الصحفي والسياسي نصوح بابيل عن فترة حكومة المديرين: « سيطر الفرنسيون مرة أخرى على الحكم بالصورة المباشرة، فكان الوزير الفعلي للوزارة هو المستشار الفرنسي».
ويقول أيضاً الصحفي سعيد تلاوي (1912-1973) عام 1951: ( بدأ المفوض السامي يصدر القرارات بتعيين الموظفين الذين يريدهم في الحكومة السورية من دون إرادتها ويعطل الصحف ويعتقل الوطنيين.. وألف حكومة سُميت «حكومة مجلس المديرين» وعادت فرنسا لتوطيد الحكم الاستعماري من جديد).
أما الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول في معرض حديثه عن تاريخ الحزب: « كانت سلطة الانتداب الفرنسي هي البادئة بشنّ الحرب على الحزب الذي أعلن على لسان زعيمه «أن سياسة الصبر والاحتمال قد انتهت» (أيار 1939). وقد تميزت المرحلة الممتدة بين سنة 1939 وسنة 1941 بصراع عنيف بين الحزب، الذي دافع عن وجوده وأصرّ على معارضته لسياسة الانتداب، وبين سلطة الانتداب الفرنسي الذي عمل على إلقاء القبض على القوميين الاجتماعيين وزجهم في السجون بهدف ترويعهم وتركيعهم. لم ترهب القوميين الاجتماعيين حملات الاعتقال وأساليب الضغط بل بالعكس فإنهم واجهوها بإيمان عزّ نظيره وبإرادة قوية قاهرة، في الوقت الذي قامت فيه بعض الأوساط السياسية اللبنانية والشامية تتودد للّجنة الألمانية-الفرنسية المشتركة بقصد التعاون وتأمين مصالح فردية وجزئية. فقد أرسل كل من رئيس جمهورية لبنان إميل إده ورئيس مجلس المديرين في الشام بهيج الخطيب برقيات الإخلاص والتأييد لفرنسا باسمهما وباسم الشعب السوري».

الخطيب واغتيال الشهبندر
كانت أهم الأحداث السياسية التي عايشتها حكومة المديرين هي سلخ لواء اسكندرون واغتيال الزعيم الوطني الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي قيل حينها ولم يزل يقال إن البنان تشير إلى دور لبهيج الخطيب في هذه الجريمة!؟
في 6 تموز من عام 1940م اغتيل الشهبندر في عيادته بدمشق، وكان المفوض السامي في بيروت قد أرسل في اليوم نفسه برقية إلى حكومته يقول فيها: «إن الشهبندر المنافس الأول للكتلة الوطنية، والمعروفة ارتباطاته بالمصالح البريطانية، قد قتل من مجهول». ‏
نشرت ابنة جميل مردم بك سلمى مردم بك رواية طُبعت أكثر من طبعة (الطبعة الثانية صدرت عام 1994 في بيروت) تحت اسم (أوراق جميل مردم بك- استقلال سورية 1939-1945) هذه الرواية كما كُتب على غلافها الأخير (غرفت الكاتبة من الأوراق الخاصة بوالدها- المذكرات الشخصية، ومحاضر الاجتماعات، والمفكرات والرسائل- ومن السجلات الرسمية البريطانية والفرنسية لتبعث الحياة بصوره مشرقة، في كرونولوجيا الأحداث، ابتداءً من حكومة فيشي في العام 1939، وحتى قصف دمشق في العام 1945).
تعرضت سلمى مردم بك من خلال روايتها هذه بالتفصيل لجريمة اغتيال الشهبندر ودور رئيس مجلس المديرين بهيج الخطيب في اتهام الوطنيين ودور العديد من الشخصيات الفرنسية في ذلك وعلى رأسهم المفوض السامي الفرنسي على سورية ولبنان آنذاك، ووثقت مجريات محاكمة أحمد عصاصة وجماعته واعترافاتهم بالجريمة، وبرّأت الكتلة الوطنية ورجالاتها من جريمة اغتيال الشهبندر بالوثائق.
اتهمت السلطات الفرنسية المستعمرة الكتلة الوطنية في هذه الجريمة وجنّدت رئيس مجلس المديرين بهيج الخطيب للنشاط في هذا المضمار، فاعتقلت «أو اعتقل بهيج الخطيب» نحو ثمانين من أعضاء الكتلة وحققت معهم، ومن ثم حمّلت مسؤولية اغتيال الشهبندر إلى ثلاثة من زعماء الكتلة الوطنية هم: سعد اللـه الجابري، ولطفي الحفار، وجميل مردم بك. وقيل حينها ولم يزل يقال إلى الآن، إن الانتداب الفرنسي استغل خلاف الرأي الذي نشب بين الكتلة الوطنية والشهبندر، والحملات التي شنها في خطاباته على معاهدة 1936، والذين أيدوها، لاتهامهم (الباطل) بجريمة اغتيال الشهبندر.؟ ما اضطر رجال الكتلة الذين أُلصقت بهم التهمة إلى الهروب من سورية للدول المجاورة ريثما تنجلي الأمور، ويتم التحقيق ويظهر الحق من الباطل.
وتذكر سلمى مردم بك: (اجتماعات عُقدت في منزل شقيق حرم الشهبندر، السيد نزيه المؤيد، في شارع نوري باشا، وحضرها السيد صفوح المؤيد وهو من الذين يقول عنهم المفوض السامي بأنهم أظهروا الولاء لتجربة الانتداب. وكان يحضر هذه الاجتماعات السيد بهيج الخطيب ومعه مدير عام العدلية. وكانت الغاية من هذه الاجتماعات هي الضغط على المتهمين من أجل إعطاء الإفادات التي تُطلب منهم بناء على (الوصفة) المعدة من ضباط المصالح الخاصة، وقبيل أن يمثل المتهمون أمام قاضي التحقيق، الكولونيل كويتو).
أحد المتهمين في قضية قتل الشهبندر من عائلة «الغندور» قال في إفادته أمام المحكمة: «إن بهيج الخطيب رئيس مجلس المديرين وابن عمّه حسين الخطيب طلبا منه أن يتهم الكتلة الوطنية وأعطياه اسم جميل مردم بك ولطفي الحفار وسعد اللـه الجابري وقد هدداه وشتماه».
هذه الجريمة النكراء التي غيبت أهم الشخصيات السياسية السورية كان لها وقع كبير على دمشق وبلاد العرب عامة، فشُيّع جثمانه، ودفن عبد الرحمن الشهبندر تكريماً له إلى جوار قبر صلاح الدين الأيوبي، قرب الجامع الأموي الكبير.

محاولة اغتيال الخطيب
هل كان بهيج الخطيب يحتمي بالسلطة وينفذ أوامرها بشكل غير مباشر منتهزاً ظروف الكتلة الوطنية التي كانت تدعو إلى سيادة حزب واحد.. وكانت غايتها توحيد الصف والكلمة والموقف في ظروف تتطلب ذلك، ظروف خلقها الفرنسيون من أجل تفريق الشعب والأفراد على مبدأ (فرق تسد).
هل كانت سياسة بهيج الخطيب القادم لدمشق من قرية شحيم اللبنانية إلى سدة الحكم في سورية… وعلاقاته الحميمة مع الانتداب الفرنسي، مبرراً لاغتياله!؟ فقد تعرّض رئيس مجلس المديرين بهيج الخطيب في شهر تموز من عام 1939م لمحاولة اغتيال منظمة من أحد الأحزاب السياسية السورية، وباءت المحاولة بالفشل، وقد تبيّن أن التخطيط للاغتيال كان سيطول الخطيب مع مجموعة من الضباط الفرنسيين.
تم اعتقال كل من شارك في التخطيط والتنفيذ لهذا الاغتيال من سلطات الانتداب الفرنسي، وزُجّوا في سجن المزة بدمشق، وجرت محاكمتهم فحكم على سبعة منهم بالإعدام، وعلى الباقي صدرت أحكام بالسجن تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات.
لم يتعرض للحديث عن اغتيال الرئيس الخطيب سوى الزعيم السياسي أكرم الحوراني، فروى في مذكراته تفاصيل محاولة اغتيال بهيج الخطيب وذكر أسماء الأشخاص المساهمين في التخطيط والتنفيذ، والحزب السياسي الذي كان وراء محاولة الاغتيال. يقول الحوراني إن اغتيال الخطيب مع عدد من رؤساء السلطة من الانتداب الفرنسي هو بقصد إشعال الثورة ضد المستعمر وفي هذا الصدد يقول: «كنت أنا والأستاذان سعيد الخاني وعلي عدي الوحيدين من أعضاء اللجنة العليا في قيادة حزب الشباب المطلعين على التنظيم السري الثوري الذي كان يتولاه الأستاذ عثمان الحوراني الذي اقترح علينا في اجتماع خاص العمل لإشعال نار الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، لأنها السبيل الوحيد للتوحيد والتحرير. وأخبرنا أن العراق على استعداد لمؤازرة سورية في ثورتها المسلحة المنتظرة، وأن فوزي القاوقجي سيقود هذه الثورة، وأن السلاح العراقي المعد لها مخبأ في اللجاة والصفا. وينبغي البدء باغتيال الخونة والضباط الفرنسيين، فتندلع الشرارة…».
إن صح القول بأن بهيج الخطيب اللبناني المولد والنشأة ومدير الحكومة السورية زمن الانتداب الفرنسي، عميل لفرنسا، نتساءل لماذا؟؟!! وإن لم يكن كذلك، نتساءل أيضاً لماذا اتهموه بالعمالة؟؟!!
من خلال ما نكتب نريد تسليط الضوء على تاريخنا بلونيه الأسود والأبيض، بهدف واحد هو: «أمّة لا تعرف تاريخها لا يمكن لها بناء مستقبلها» ومن خلال ما نعمل عليه قد نخطئ وقد نصيب، ويبقى أمامنا: إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن