ثقافة وفن

معرض الخريف السنوي.. لغة اللون تتجدد انتصاراً لأمل الحياة السوريّة … تعددت الأساليب لتشكل لوحة سوريّة أكثر حيويّة في زمنٍ صعب

عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني :

تتصف شكليّة الحدث بامتزاج رائحة الألوان مع ما ترمي إليه مشاركة 140 فناناً تشكيلياً في معرضٍ «خريفي – شتوي» ازدهر بتعدّد تلك الألوان، والمعاني عبر لوحاتٍ تشكيليّة غنيّة في سوريّتها، ومنحوتاتٍ ذات إيقاعٍ تتناغم مع حدث إقامة معرض الخريف السنوي 2015 الذي احتضنه بشغف خان أسعد باشا الأثري، المعماري، الذي يحمل لوناً آخر من الحضارة، والسلام، والشهادة على أصالة الإنسان على أرض الشام.

تنوّع واهتمام
افتتح المعرض وزير الثقافة «عصام خليل» وعدد كبير من الحضور بين إعلاميين وفنانين وزوار ومرتادين وشخصيّات نقابيّة وغيرها، من اللافت للانتباه تنوع المشاركة والاهتمام الحافل بعدد القطع واللوحات المعروضة فكانت 300 عمل فني، مع اختلافٍ في التسميّات، والدلالات، وتشكيلة كبيرة من المذاهب الفنيّة ما بين الحداثة، والتقليد، والمعاصرة، ما بعد الحداثة، ويستمر المعرض الذي كان افتتاحه في 16 تشرين الثاني لغاية 27 منه.

عشق وحراك
مديريّة الفنون الجميلة في بادرة متجددة منها تعهدت باقتناء الأعمال المشاركة من قبل وزارة الثقافة، إضافة لمشاركتها في الملتقيات الفنيّة العربيّة والدوليّة، ويضجّ المكان بالرؤى الفنيّة والأصوات الصادرة من إبداعات لا يمكن لها أن تُمحى من الذاكرة، فالمعرض قبل أكثر من 50 عاماً كانت دورته الأولى، وما يزال يحمل الحنين لعشق الثقافة والحركة الفنيّة السوريّة التي حققت حضوراً لافتاً في المشهد العربي والعالمي، فكانت لوحة الفنان «عمر حمدي – مالفا» الذي ودعناه مؤخراً واحدة منها وشاهدة في هذا المعرض، تحاكيها لوحة أخرى للراحل «حيدر يازجي»، وفي لفتة خاصّة من الفنان «إحسان داغستاني» كان الشهيد «خالد الأسعد» رمزاً حاضراً في هذه المناسبة.

شام وحروف
تنوّعت الرموز واتسعت في هذه الدورة المتجددة من معرض الخريف التشكيلي، فهناك التصوير، والنحت، والغرافيك، وكانت للرمزية المباشرة وغير المباشرة طريقة واحدة في توزيع اللوحات، التي انسجمت، واختلطت في طريقة توزيعها تلك في أرض الخان، لتكون مضامين سوريّة بامتياز، تحمل لوحة متناغمة في الاختلاف دلالةً على التنوع، ففي جانب رأينا للشام مكانتها كما في لوحات الفنانين «أحمد أبو زينة»، و«خليل عكاري»، و«ناثر حسني»، وحضور خاصّ للحرف، والكلمة فيها كاللوحات الحروفيّة لـلفنانين «محمد غنّوم»، و«أكسم طلاع»، ورمزيّته في لغة شعريّة مبطّنة، ومن اللوحات التي جاءت في سياق القصد للأرض والوطن والتراب لوحة «تدمر… احترف الحزن والانتظار» للفنان «نبيل سمان»، وللفنان «نضال خويص» ولوحة «ذاكرة سورية»، والفنان «حسين صقور» ولوحة «وطن الفينيق»، وأيضاً الفنان «فؤاد أبو عرابة» في لوحته «سورية يا حبيبتي»، والفنانة «غادة حداد» في لوحة أسمتها «سورية الأمّ»، ولم تنس التشكيلات السوريّة قدسنا وفلسطيننا، فكانت لوحات الفنانين «علي سرميني»، «القدس عروس عروبتنا»، و«عبد المعطي أبو زيد»، « روس القدس».

محاكاة
في المعرض محاكاة حقيقيّة لواقع ألمّ بنا، فجعل من الريشة والألوان تصرخا في عالم التشكيل، فتجسّدت في أكثر من مكان، كما رأينا في لوحات الفنانين: «أنور الرحبي» و«هجرة إلى الشمال»، و«موفق مخول» و«فرح وحزن ولمسة»، و«عبد الحميد فياض» ولوحته «الشهيد»، و«صلاح الدين الخالدي» في «العزيزيّة»، وغيرها الكثير من المشاركات التي اعتصرت إيقاعها من واقع مرّ، وألم اجتر الإنسان في سورية على مدى 5 سنوات مضت.
لغة الحياة
«بقايا» هي لوحة قدّمتها الفنانة التشكيلية «جميلة كاترينا» وتقول عنها: «هي لوحة صوّرت فيها ولادة الإنسان، ومراحل حياته، ومشاكله، وقصدّت منها تجسيد فكرة أن الإنسان عندما يموت لا يبقى منه إلا صورة على الحائط، ورغبت أن أبيّن باستخدام ألوان زيتية حارة ظروف الموت والحياة لدينا، وذلك دعماً للفكرة الأساسية وهي أنّنا موجودون ولن نموت، ونحاول ممارسة حياتنا الطبيعية».

وجوه ورموز
أيضاً يمكن الإشارة لحضور الوجه السوري في حركة المعرض ما بين رمز ومباشرة، فكان منها ما يشير للإشادة بثقافة الحياة، وتهميش حالة الموت المتكرر، والتصويب نحو المرأة وحضورها وانتصارها، وصولاً للمدينة السوريّة والحضارة التي لا تضاهيها حضارة على وجه المعمورة، ومن هذا الإيقاع وجدنا مشاركات الفنانين: «إسماعيل نصرة» في «سقط القناع»، و«متاهات» لـ«جمال العباس»، و«الحامل» لـ«فايز عبد المولى»، و«إحسان أبو عياش» ولوحة «جينات»، و«هند زلفة» ولوحة «بين صباح ومساء»، و«مضر سليمة» في «الهجرة»، و«لطف اللـه حلاق» في «الوجه الآخر للمرأة»، و«عبد الإله خان» في «وجوه»، و«سائد سلوم» في «جسور إنسانية».

أصالة متجددة
أسماء كثيرة شاركت في المعرض وحضرت بتميّز وتفرّد، فكانت زاهية بالمعنى، وقويّة في اتجاهها، ولا يسعنا ذكرها كلّها، وفقط بالإشادة بها، وبتشجيعها في بناء مثل هذه المبادرة، والعمل على رفدها، بالمشاركة الفاعلة، وإحياء المشهد الثقافي الفني السوري الغني والمتميّز، فشكراً لتعاونهم وحضورهم من كلّ المناطق السوريّة لإحياء دورة معرض الخريف الحاليّة، فإن كانت ألواناً مترامية الدلالات فهي جهود صبّت في إناء مشترك يدعو للاعتزاز بوفرة المحبّة للعمل الإبداعي في وقت صعب ومكان عانى من ألوان الدّم والظلم، وهذا بعد حضاري جديد يدل على ثقافة المقاومة المتأصلة والمتجددة.

صناعة الحياة في النحت
للنحت والمعروضات النحتيّة وجودها المميز أيضاً، فالأساليب مختلفة، تعكس هواجس داخليّة مستقاة من الواقع، وفيها مصدر للأمل وصناعة للحياة، ومن اللافت ذكر بعضها كمنحوتة «تكوين امرأة» للنحات «عبد العزيز دحدوح»، و«حالة حبّ» لـ«وسام قطرميز»، و«رجل من هذا الزمن» لـ«معروف شقير»، و«اقرأ» لـ«عبد اللـه العك»، و«هيثم القحف» في منحوتة «جدل»، و«ميسون حبل» في منحوتة «لماذا؟» وغيرهم الكثيرون أيضاً، وقد التقينا النحات «غازي كاسوح» الذي قدم تشكيله بمسمى «عبق الياسمين»، وقال عنها: «المنحوتة من خشب الزيتون، وهي حالة من التواصل الإنساني، تعبيريّة تجريديّة. تتألف من خطوط منحنيّة، ومتواصلة تتشكل من خلالها جموع إنسانية تدل على العودة برؤية نحو المستقبل الذي تبني من خلاله أملاً جميلاً، من خلال الكرة القابعة في أعلى العمل، وهي رمز للضوء والفضاء والشمس، أمّا الفراغات بين الخطوط فتشكل مجموعة من الانحناءات الدّالة على العودة إلى التواصل بين أبناء الوطن» وطن الحضارة والجمال «سورية».

مقاومة
يعدّ معرض الخريف 2015 دورة متجددة في حضور عدد كبير من الفنانين التشكيليين السوريين من أعمار متعددة ومتباينة، ففيه أعمال لفنانين كبار مشهورين، وفيه مشاركات لفنانين صاعدين، وهو خطوة مهمّة لفائدتهم وتعلّمهم، وهو دلالة على الأمل، ورغبة في توضيح صورة حقيقيّة لرغبة الفنان في المقاومة والتعلّق بأمل الحياة، ورفض اللغة الغريبة عن الإنسانية التي تتجسد في الإنسان السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن