قضايا وآراء

نهاية رجل جبان!!

د.بسام أبو عبد الله :

عذراً من الأديب السوري الكبير (حنا مينا) لأخذنا عنوان المقال من (نهاية رجل شجاع)، ولكن حديثنا هو عن رجل أقل ما يقال عنه أنه رجل جبان، والجبان يكذب كثيراً، وينسى لكثرة كذبه، واضطرابه ماذا قال البارحة، كما أن الجبان يضرب في الظهر دائماً لأنه لا يمتلك جرأة المواجهة، فهو يدعي العنتريات في اليوم الأول، ويزحف طالباً المغفرة في اليوم الثاني، وإضافة لذلك تجده رجلاً مدعياً، منافقاً، ومتزلفاً حينما يحتاج لمصلحة، أو منفعة… وكي لا يطول الحديث عمن أقصد- فإنني أعني رجب طيب أردوغان الرئيس التركي الذي سيلقى نهاية رجل جبان لكثرة ما راكم من أعداء، وارتكب من خطايا…
القضية هنا لا تتعلق بدهاء السياسة كما يرغب البعض أن يُسمي تصرفاته فهو ليس بداهية، إنما ما ينطبق عليه أكثر هو صفة (الجبان)، والجبان أهم صفاته الغدر، وهو ما فعله أردوغان بداية داخل تركيا، ومن ثم خارجها…
في داخل تركيا طعن أردوغان بالتعاون مع شبكة فتح الله غولين المتغلغلة في الدولة التركية العسكر أولاً حيث سجن كبار جنرالات جيش بلاده بتهمة التآمر على (حكومة شرعية) كما ادعى، وأذلهم شر إذلال، وجلبهم إلى المحاكم حتى وصل الأمر برئيس أركان الجيش التركي السابق (ايلكر باشبوغ) لوصف التعامل في المحكمة معه، وكأنه في بلد معادٍ، ومع ذلك عاد لاحقاً ليطلق سراح أغلبيتهم بحجة أن الوثائق التي قُدمت ضدهم في المحكمة(مزورة) واعتذر منهم، وكأن شيئاً لم يكن…
ثم عاد وطعن حليفه في العمالة لأمريكا فتح الله غولين عندما نشر فضائح فساده، مع وزرائه، وعائلته، وبدأ عملية تصفية لمؤسساته ومدارسه، ومؤيديه داخل الدولة التركية، بالرغم من تحالفه معه ضد العسكر في بداية حكمه…
– تابع الرجل الجبان (أردوغان) الطعن في الظهر فانقلب على رفاق دربه، ومؤسسي الحزب معه (عبد الله غُل، وبولنت ارينتش وغيرهم) وأطاح بهم من قيادة الحزب، ومن الحكومة ليأتي بشخصيات أكثر انبطاحاً له، وخضوعاً لأوامره، وهو ما حصل في الواقع عندما استبعد كل هذه الشخصيات من طريقه ليستفرد بكل شيء…
لن نتحدث عما فعله بالصحفيين، ومؤسسات التلفزة، والإذاعات وكيف باع، واشترى بها، وسطا على قسم كبير منها عبر إدارات الضرائب، والمالية ليشتريها لاحقاً مقربون منه حتى بلغت سيطرته على الإعلام حوالى 85%، وليكمم بذلك كل الأصوات المعارضة التي تخالفه الرأي… في حين أنه كان يُحاضر علينا في سورية بداية عام 2011 في الديمقراطية، والحريات، وحقوق الإنسان…
في الداخل مارس كل هذا، ويبقى الأمر شأنه، وشعبه، ولكن في الخارج بلغ جبنه حداً لا يمكن وصفه: ففي سورية طعن الرئيس بشار الأسد في ظهره عندما كان ينافق، ويكذب في محبته، وأخوته وصداقته حتى العائلية، وإذا بكثير يفاجؤون بسلوكه اللاحق وكراهيته، وحقده، وبالطبع فإن العلاقات بين الدول ليست شخصية بل تقوم على المصالح، ولكنه حتى في هذه لم يفكر بمصالح شعبه إنما كان يفكر بإخوانيته، وكذب جماعة الإخوان، وغروره الذي أوصله إلى درجة يمكن وصفها بالجنون عندما بدأ يعد الأيام لسقوط الدولة السورية، ورئيسها من دون أي نتيجة.. وقبل ذلك ولمن يعرف فقد كانت مصالح تركيا في ليبيا بمليارات الدولارات ومع كل هذا فمع بدء إسقاط الدولة الليبية أطلق تصريحات تدين تدخل الناتو ليغير كلامه في اليوم التالي ولتنطلق طائرات الناتو من قاعدة أنجيرليك التركية، وتقصف ليبيا، وشعبها، وتدخلها في ظلام دامس.
آخر قصص غدر أردوغان كانت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حادثة إسقاط الطائرة الروسية التي تُمثل نسخة أخرى من طعنه للرئيس الأسد، ذلك أن بوتين كان قد بذل جهداً كبيراً، ومضنياً في بناء العلاقات مع تركيا حتى وصلت قيمة التبادل التجاري إلى حوالى 40 ملياراً من الدولارات، و4.8 ملايين سائح، وتحرير للتأشيرات بين البلدين، وبناء لأول محطة نووية تركية، وإنشاء مجلس أعلى للتعاون الإستراتيجي، وتغيير مسار خط الغاز الروسي (السيل الجنوبي) ليمر عبر تركيا ويصبح (خط الغاز التركي)، وسعى بوتين لمد سُلّم للجبان أردوغان يساعده في الخروج مما تورط فيه داخل سورية، ومع كل ذلك فإنه وفي لحظة غدر أطاح بكل هذا البناء – كما قال بوتين الذي سمى ما فعله أردوغان (طعنة في الظهر)..
– بتقييم سريع لمجمل سلوك هذا الرجل داخل تركيا، وخارجها فإن مآله على ما يبدو ليس مبشراً، ولا أدري متى سيأتي هذا الوقت، ولكنني أشعر أنه ليس لفترة طويلة بسبب كثرة حوادث غدره ضد كثيرين، وبالرغم من أن الجبان يكون حريصاً جداً لأنه يعرف حقيقة أفعاله، والأهم نياته إلا أن التاريخ يقدم لنا نماذج عديدة لشاكلة رجب طيب أردوغان، ونهاياتهم السوداء..
القضية لا ترتبط بالمحبة، والكراهية فقط، وإنما ترتبط أيضاً بأداء أردوغان المضطرب، وغير المتوازن، والمتناقض، ففي حالة إسقاط الطائرة الروسية قال: إنه لو كان يعرف أن الطائرة روسية لما حدث ما حدث، وليعود في اليوم نفسه ويقول: لو تكررت حادثة الاختراق لفعل الشيء نفسه!! هنا لسنا بحاجة لتحليل سياسي، وإنما لتحليل نفسي- سيكولوجي يشرح لنا سلوك هذا الشخص- وحالته المرضية!
– في الحالة السورية مثلاً- كان يتحدث عن الديمقراطية، والحريات، وحقوق الإنسان طوال سنوات، وإذ به يُطبق العكس في تركيا (حكم الحزب الواحد- قمع للحريات- تكميم للصحافة)! كما أنه يتحدث عن محاربة داعش، وهو صانعها، وحاميها، وحليفها، ويتحدث عن المعارضة، ويدعم الإرهاب، ويتحدث عن الإسلام- ولا يعني له شيئاً إلا بمقدار استخدامه في الانتخابات، وجلب أصوات أكثر- أما في التطبيق فإنه يخالف قيم- وأخلاق الإسلام في كل لحظة ودقيقة..
أعتقد أن نهاية أردوغان ليست معروفة كيف، ومتى!! ولكن بالتأكيد هي نهاية كل عميل، وجبان، وكذاب، ومنافق، ولا ينطبق على هذه القصة المرضية سوى عنوان واحد: (نهاية رجل جبان)..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن