قضايا وآراء

محاربة الإرهاب بـ«القطعة»!

| عبد السلام حجاب 

لا يحتاج مراقب لحسابات السياسة الأميركية في أيام الرئيس أوباما قبل موعد الرحيل في الانتخابات الرئاسية العام القادم، إلى تحليلات إضافية، كي يدرك أن لملمة أوراقه الملوثة بعار الإرهاب وفشل الحلف الستيني الذي أنشأه بادعاء كاذب لمحاربته، تواجه اضطراباً في الرؤية ومصاعب في التنفيذ السياسي والميداني.. فصار أشبه بتاجر مفلس يبحث عن مخرج في دفاتره القديمة، إذ لم يعد بمقدوره تحمل واقع إفلاس المشروع ولا فتح حسابات جديدة على رصيد مأزوم ومكشوف.
لكن وكعادتها بسياسة المعايير المزدوجة تحاول واشنطن تحت عنوان «انتهت اللعبة» الذي سربته الخارجية الأميركية من دون تأكيد اعتماد خلط الأوراق على خلفية غباء العثماني أردوغان بقبوله التورط بإسقاط القاذفة الروسية سو 24 والتعويل على نتائج اجتماعات يكفي عقدها في السعودية كي يفصح عن مضمونها الإرهابي.
وهو ما يجعل المراقب يسأل هل كانت واشنطن عدلت من سياسة احتكار الحرب الدعائية على الإرهاب، باتجاه استعادة محاربة الإرهاب بالقطعة وفقاً لتوصيفاتها المصلحية لفرض واقع سياسي بوساطة إرهابيين بربطة عنق يحفظ للرئيس أوباما شيئاً من ماء الوجه كما يؤمن للكيان الإسرائيلي قوة إضافية تساهم في بسط نفوذه وهيمنته عبر أنظمة حكم مصنعة.
واستكمالاً، فإن السؤال الذي يطرح: ماذا تريد واشنطن من وراء دعوتها لاستضافة اجتماعات فيينا في دورة انعقادها الثالثة. هل مجرد كسب معنوي في مشهد التبدلات المتدحرجة إزاء الحل السياسي للأزمة في سورية الذي دفعت إليها نجاحات الجيش العربي السوري الإستراتيجية بإسناد وتعاون شرعيين من القوات الجوية الروسية والمستشارين الإيرانيين والمقاومة اللبنانية للقضاء على الإرهاب!؟ أم إن واشنطن تسعى لتحويل الاجتماع إلى فرصة افتراضية يمكن التحكم بمفرداتها لتصب في خدمة أوراقها المهترئة سواء لجهة تعطيل أي جهد مشترك لمحاربة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة أو لجهة محاولات إظهار مجموعات تتعاون مع داعش الإرهابي كقوى معتدلة!؟ ما يؤكد مساعي واشنطن لتنفيذ سياسات محاربة الإرهاب بالقطعة كأجندة تخفي أغراضاً سياسية تنعش الإرهاب وتطيل أمده كمقصلة سياسية لأي حل سياسي للأزمة في سورية وفقاً لما يريده السوريون.
لكن، ورغم التطورات وما تشي به من احتمالات فقد أكد الرئيس الروسي بوتين أنه.. «لا يمكن لأي دولة محاربة الإرهاب منفردة، عندما تكون الحدود مفتوحة وعندما يحصل الإرهاب على دعم كامل». وذلك في إشارة واضحة إلى دور العثماني أردوغان وأركان حكمه في تركيا ببيع النفط الذي تسرقه داعش من الحقول والآبار السورية والعراقية من جهة ومن خلال الدعم المالي والتسليحي الذي يقدم للإرهابيين من مشتقات النصرة والقاعدة. وهو ما حذر منه بشدة الوزير لافروف بقوله: «لا يمكن تحقيق تسوية سياسية مستدامة في سورية من دون تبادل نهائي لقوائم التنظيمات الإرهابية وتبني قائمة موحدة لها في اجتماع فيينا القادم».
ولعله يطرح سؤالاً حول مصير سياسات أميركا الداعمة للإرهاب وما ينجم عنها من فوضى وتعريض لأمن واستقرار المنطقة والعالم للمخاطر وباتجاهات لا تحمد عقباها، أم ستكون منصة لشروط تبحث عن مكاسب وهمية دونها مزيد من المواجهة ولن تكون أوروبا بمنأى عنها؟
ناهيك عن الكيان الإسرائيلي الذي بات يحسب لتداعياتها المحتملة!؟ علماً بأن روسيا بحسب الكرملين تؤكد.. أن الطيران الروسي سيستمر بضرب البنية التحتية للإرهاب وتدمير الصهاريج الناقلة للنفط المتوجهة إلى تركيا عبر الحدود. وكانت الدعوة الروسية الواضحة لتركيا بضرورة إغلاق حدودها مع سورية وعدم تحويلها إلى ممرات إنعاش للإرهابيين وذلك بعد أن شكل طيران التحالف الأميركي مظلة حماية للتنظيمات الإرهابية طيلة الأشهر الثمانية عشر الماضية وانتعشت خلالها أحلام أردوغان الطوباوية بما سمي مناطق عازلة أو آمنة على حساب قضم الجغرافيا السورية الوطنية.
مما لا شك فيه فإن مصير مثل هذه السياسات الأميركية في الحرب على سورية بوساطة الإرهاب لن يختلف كثيراً أو قليلاً عن سابقاتها، وإن تبدلت أشكال الدعم للإرهاب سياسياً أو لوجستياً أو إعلامياً، وهي الأشكال التي رافقت تنفيذ واشنطن لسياستها باستهداف سورية جيشاً وشعباً وقائداً عبر سنوات خمس مضت، ما يعني حكماً بأن العودة إلى إحياء خيارات قديمة ثبت فشلها، لم تعد مجدية وذلك في ظل ما يشهده الواقع السياسي الدولي من تقدم سياسي وعسكري للدول المناهضة المدافعة عن القانون الدولي وحقوق الشعوب، وتراجعات أوروبية ومقاربات أميركية فاقدة للمصداقية تساهم في تمدد الإرهاب وإطالة أمده، ولا سيما أن الذين يخضعون للأجندة الأميركية يعتمدون التمويه بإرهاب داعش وكأن الإرهاب ليس واحداً، وإن اختلفت مسمياته في محاولة للتلطي خلف المصطلحات ما حدا بالرئيس بوتين للقول: لا يمكن التوصل إلى تحالف لمكافحة الإرهاب في ظل وجود من يستغل الإرهابيين لتحقيق أهدافه. مؤكداً بوضوح لا يقبل مداراة أو مسايرة. «أننا نحارب الإرهاب في سورية بناء على طلب من الحكومة السورية الشرعية دفاعاً عن روسيا ومواطنيها والقوات الروسية تعمل بكفاءة عالية». ولعله الموقف الذي لا يستطيعه العديد من دول أوروبا ناهيك عن أميركا واستخدام أقنعة لتغطية الأغراض السياسية التي يسعون من أجلها.
وكما شدد الرئيس بشار الأسد على أننا لا نقبل تعبير المعارضة المقاتلة أو المعارضة المعتدلة التي تحمل السلاح فهذه ليست معارضة بل إرهاب. فقد أكد أن خيارنا الوحيد هزيمة الإرهاب والحفاظ على مجتمعنا العلماني وإجراء الإصلاحات التي يريدها السوريون حول نظامهم السياسي ومستقبلهم.
وبات من الثابت في مواجهة العقبات التي تضعها واشنطن وحلفها بتبني الإرهاب أن سورية وأصدقاءها واثقون أن القضاء على الإرهابيين سيشكل الخط الأساس في إرساء استقرار المنطقة والعالم، ما يعني أن السوريين حددوا خيارهم الوطني في محاربة الإرهاب منذ بدء المؤامرة الكونية باعتباره مقدمة الحل الذي يريده السوريون ويقررونه بأنفسهم ولا شك بأن صمودهم وشجاعة وتضحيات جيشهم الباسل تفتح الطريق إلى النصر الذي بات قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن