ثقافة وفن

فعل الخير..

| د. اسكندر لوقا 

في المجتمعات عموماً، وعلى اختلاف مستوياتها، كثيراً ما نجد فعل الخير قد غدا سلوكاً عاماً وخصوصاً في الأزمنة العصيبة التي تواجه تلك المجتمعات، كما في ظروف الحرب أو التضييق عليها اقتصادياً وتجارياً وسوى ذلك من أسباب تستدعي فعل الخير.
ومعروف أنه كلما كانت البيئة داخل هذا المجتمع أو ذاك ضيقة، تبدت ظاهرة فعل الخير أكثر مما كانت عليه كما الظواهر الاجتماعية الأخرى في الوقت عينه، وبشكل أوضح، وأحياناً كثيرة من منطلق رغبة فاعل الخير، بالحضور بين معارفه من أبناء بيئته وبالطريقة التي يختارها.
إن فعل الخير، من حيث المبدأ، فعل له بعده الإنساني مهما كان مصدره وكانت الغاية منه، بمعنى عدم ارتباطه بمكانة الفاعل وقدره في بيئته. فعل الخير هو، في نهاية المطاف، انتماء عفوي الإنسانية, الإنسان إلى ذاته بالدرجة الأولى. وإن كان هذا الاعتبار يندرج، في بعض الأوقات، تحت عنوان البحث عن مبرر ما للظهور أمام الغير بغض النظر عن قيمة هذا المبرر وتأثيره لدى الغير. وربما لهذا الاعتبار أيضاً، كثيراً ما يخطئ المرء في اختبار الطريقة الأنسب لتحقيق هدفه، وعندئذ قد يسيء إلى الهدف من وراء فعل الخير، مثلما قد يسيء إلى نفسه في الوقت ذاته.
وفي العديد من الأمثلة في التاريخ، نجد أحياناً ثمة من يسخر معظم ما يملك من إمكانيات مادية لإعانة من يحتاج إلى عطاء. وبدافع إنساني قد يوكل جمعية خيرية لتكون وسيلة التصرف بما يملك في حالات تفرض على الفرد أو حتى المجتمع واقعاً يجعلهما بحاجة إلى مثل هذا الفعل.
في المجتمعات العربية، تبدو هذه المسألة مرتبطة أكثر بالإيمان، لأنها ستكون مصدر راحة نفسية لصاحب العطاء، وكثيراً ما يساء إلى هذه المسألة بذاتها عندما يحاول المعطي أن يردد ما فعل بين معارفه، بسبب أو من دون سبب، فقط كي يصل إلى مرحلة وصفه بالكريم. وعندئذ تفقد هذه المسألة قيمتها المعنوية وخصوصاً عندما يشعر الآخذ بأنه قد أهين بسبب من حاجته إلى عون.
هذه المعادلة، مفيد أن يتخطاها من يسعى إلى اعتمادها سلوكاً يتصل بمبدأ المساعدة الإنسانية لا غير، وإذا ما تعامل معها صاحب العطاء، لجهة الفرد أو الجماعة في سياق المساهمة في بناء ما تهدم أو إشادة بناء، كما تقتضي متطلبات تبعات العدوان على بلد من البلدان من أعدائه، بمفهوم الخير المطلق، فإنه يكون قد مرّ بمرحلة الإيمان بصحة ما فعل وبنحو جيد لا بنحو ما ذكره الشاعر والروائي والمسرحي الفرنسي لوران دو لابوميل 1728-1773 الذي قال: لست أرى في كل مكان غير أشخاص يفعلون الخير، ولكنهم، أحياناً كثيرة، يفعلونه على نحو سيئ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن