قضايا وآراء

عامل الردع الروسي في الحرب السورية على الإرهابيين ونتائجه الحاسمة

| تحسين الحلبي 

يلاحظ أغلب المراقبين أن الإدارات الأميركية بدأت منذ 2001 تضع في سلم أولوياتها السياسية والعسكرية مهمة إحكام السيطرة والهيمنة على جميع مناطق الشرق الأوسط ودولها بهدف منع أي قوة عالمية كبرى (مثل روسيا والصين) من التمتع بأي علاقات مستقلة وتحالفية مع أي دولة من دول الشرق الأوسط وبخاصة الدول المستقلة في قرارها السياسي والسيادي مثل سورية وإيران.. فبعد احتلال أفغانستان 2001 انطلقت القوات الأميركية لاحتلال العراق 2003 وفي عام 2005 أشغلت سورية في لبنان بعد اغتيال (الحريري) وبعد عام حركت عدواناً إسرائيلياً هو الأضخم منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان لتصفية المقاومة وفرض الهيمنة على سورية باسم الشرق الأوسط الكبير.
ثم فرضت على إيران وسورية حصاراً أرادت من خلاله استنزاف سورية تمهيداً لتوليد حرب داخلية بدأت بإشعالها عام 2011.
وفي كل هذه الحروب السياسية والإرهابية الأميركية على سورية والمقاومة وإيران كانت الإدارات الأميركية تسخر أموال وحدود وقدرات حلفائها المحليين في المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل لإخضاع سورية لهيمنتها وتفتيت سيادتها.. وكانت واشنطن طوال السنوات الخمس الماضية تعد وتنفذ خططاً جديدة كلما أحبطت سورية وحلفاؤها خططها العدوانية منذ آذار 2011.
وهذا ما يؤكده (جو غيامبرون) في دراسة نشرها في موقع (إنترنيشينال بوليس دايجست) قبل أسبوع حين يستشهد بأهم التصريحات العلنية التي أدلى بها عدد من أصحاب القرار الأميركي: ويبدأ بنائب الرئيس (جون بايدن) حين قال إن (السعودية وتركيا ودول الخليج منحت لكل من يعارض الرئيس الأسد مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة وخصوصاً لداعش وجبهة النصرة وكل جهادي متطرف يعادي الحكم في سورية) ويستشهد بما قالته هيلاري كلينتون: «إن السعودية كانت أكبر مصدر لتمويل المجموعات الإرهابية الإسلامية في كل أنحاء العالم» وبما قاله رئيس الأركان الأميركي (مارتين ديمبسي): «أنا أعرف عدداً من الدول العربية الحليفة لنا التي تمول كل هذه المجموعات ضد سورية».
وهذا ما اعترف به رئيس (وكالة المخابرات العسكرية الأميركي) وما قاله الأمير بندر بن سلطان علناً.. وهذا يعني أن الإدارة الأميركية تؤكد إعلان الحرب الإرهابية على سورية من كل هذه الدول والأطراف، ولا تجد مصلحة في تصفية أهم أدوات الإرهاب (داعش) وجبهة النصرة لا من سورية ولا من العراق.. لكن مسرح هذه الحرب أثبت عدداً من الحقائق التي بدأت الآن تنقل هذه الحرب من حالة الدفاع إلى حالة «الردع» وأهم هذه الحقائق: إن التحالف مع سورية بدأ يتحول إلى إستراتيجية إقليمية دولية بمشاركة روسية وصينية على المستوى الدولي ضد جميع الأطراف والدول التي عملت واشنطن على تسخيرها لتمويل الإرهابيين وفتح الحدود لمجموعاتهم ونقل السلاح إليهم.. وهذا تماماً ما يثبته الموقف الروسي تجاه حكومة أردوغان على جبهة الشمال السورية ضد المجموعات الإرهابية بعد إسقاط الطائرة الروسية.. فالتطورات الجوهرية لجهة تعزيز قوة سورية في حربها على الإرهابيين بدأت تثبت نتائجها على مستوى ردع الأعداء بعد أيلول الماضي حين طلبت سورية رسمياً وبقرارها المستقل والسيادي من القيادة الروسية مشاركة سلاحها الجوي في ضرب مواقع المجموعات الإرهابية تأكيداً لعلاقات التحالف والصداقة بين الدولتين..
وقد لاحظ المراقبون أن هذا العامل الروسي وهو عامل دولي وعلى مستوى القوى الكبرى أربك السياسة الأميركية العدوانية وضيّق هامش مناورتها ضد سورية خصوصاً بعد التقارب الروسي- الفرنسي في الحرب على الإرهاب وانتقاله إلى تقارب أوروبي- روسي لا ترغب واشنطن بوجوده تجاه الموضوع السوري أو تجاه مواضيع دولية أخرى.. وهذا ما يشير إليه محرر المجلة الإلكترونية (أنتي وور) حين يؤكد أن موسكو تمكنت من فرض قوة ردع ضد كل من يستهدف سورية بالإرهابيين ويتحالف معهم وأصبح عامل الردع الروسي يشكل واقعاً بدأ الجميع يراه في رد الفعل الروسي على تركيا وما يحمله من مغزى على المستوى الإقليمي والدولي..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن