قضايا وآراء

طهران عام ١٩٤٣ … و… طهران عام ٢٠١٥

| د. أسامة سماق

في خريف عام ١٩٤٣ من ٢٨/١١ ولغاية ١/١٢ اجتمع في طهران كل من ستالين وروزفلت وتشرشل الذين كانوا يشكلون التحالف الدولي ضد الهتلرية للاتفاق على فتح الجبهة الثانية في أوروبا ضد ألمانيا النازية. عقد الاجتماع حِينَئِذٍ في السفارة السوفييتية في طهران. فتحت هذه الجبهة بإنزال قوات الحلفاء في النورماندي الفرنسية عام ١٩٤٤.
وفي الأيام القليلة الماضية من خريف ٢٠١٥ عقدت في طهران قمة الدول المصدرة للغاز، وكان الحدث الأهم في هذه القمة لقاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع القيادة الإيرانيه حيث كان الرئيس الوحيد الذي استقبل باهتمام خاص، إذ توجه من المطار إلى لقاء السيد خامنئي والذي تبعه باجتماعٍ مطول مع الرئيس روحاني، وتم التوقيع على مجموعة اتفاقيات بمليارات الدولارات اقتصادية وعسكرية بما فيها التفاهم على إنتاج طائرات الركاب السوبر جيت سوخوي في إيران. ويخطط البلدان إلى استثمار 30-40 مليار دولار في المشاريع المشتركة على المدى المتوسط. وتم التوافق على خوض المفاوضات بخصوص الملف السوري بتنسيق يرقى إلى مستوى التحالف القائم بينهما في مسرح العمليات السوري ضد الإرهاب. وهنا تم إسقاط المراهنات التي تزاحمت على الساحة الإعلامية عن وجود خلافات بين البلدين حول سورية. وقد لخص الزعيمان خامنئي وبوتين علاقات البلدين عندما قال السيد خامنئي إننا نعتبرك حليفاً موثوقاً وعندها صرح الرئيس بوتين قائلاً: إن روسيا لا تخون حلفاءها.
بكلمةٍ أخرى فقد ضبط البلدان عقارب الزمن باتجاه التحالف الإستراتيجي. وتم فتح جبهة موحدة بإمكانيات ضخمة ضد الإرهاب في سورية، إضافة إلى جهد الجيشين السوري والعراقي.
من دون شك فإن التدخل العسكري الروسي في سورية غير قواعد اللعبة، كما صرحت فيديريكا موغيريني مسؤولة العلاقات الخارجية الأوروبية، ما أثار ارتباكاً أميركياً أوروبياً ونسف ما خطط له في الغرب من استباحة للجغرافيا السورية لفترة طويلة، وتحويلها إلى مزرعة لتفريخ الإرهابيين وإدارتهم واستخدامهم في صراع الهيمنة حول العالم.
وشكلت تركيا وأصدقاء أميركا في المنطقة رأس الحربة في هذا الصراع حتى إن اللعب أصبح فوق الطاولة وشفافاً. تردد أميركي واضح في حسم المعركة مع «داعش» في العراق وسورية وتحويلها إلى معركة شرسة إعلامياً وهادئة عسكرياً، رافقه تزويد باقي المجموعات الإرهابية بصواريخ تاو الأميركية بأموال سعودية إضافة إلى أنواع متطورة من الأسلحة الأخرى، بالمقابل جهد عسكري روسي جاد ضد المجموعات الإرهابية بمختلف مشاربها حيث تغير الطائرات الروسية على «داعش» والنصرة ومختلف المجموعات الإرهابية على امتداد الساحة السورية، وتم إدخال القاذفات الإستراتيجية في المعركة مؤخراً بعد إسقاط الطائرة الروسية في سيناء وهجمات باريس الأخيرة التي أثبتت أنه من المستحيل تدجين الأفعى إلى الأبد.
إلى ذلك فإن هذا الحشد العسكري الذي يشهده الشرق العربي وخاصة سورية أدى إلى حبس شعوب أوروبا لأنفاسها خشية من يد الإرهاب الطويلة، وإلى فقدان تركيا أردوغان لأعصابه وخاصة بعد تدمير القاذفات الروسية لصهاريج النفط «الداعشي» المسروق من الأرض السورية، والتي زاد عددها على ألف وخمسمائة ناقلة إضافة إلى تدمير خزانات النفط «الداعشية» في الجزيرة السورية، حيث أصبح معروفاً أن مسوق وتاجر النفط «الداعشي» هما ابن وصهر أردوغان الذي أصبح مؤخراً وزيراً في الحكومة التركيه الجديدة، ومن خلال «البزنس» العائلي فقد أصبح فساد القيادة التركية إبناً شرعياً لزواج غير شرعي بين السلطة والمال وهذا ما سيدفع ثمنه الشعب التركي لاحقاً.
بفقدان أردوغان لهذا المورد المالي الذي يقدر بـ2-3 ملايين دولار يومياً فقد عقله أيضاً، وذلك بإسقاط طائرة السوخوي الروسية وهرول كالطفل المدلل إلى ولي أمره على أبواب الناتو مستجدياً الحماية من الدب الروسي الغاضب من وقاحة البعوضة التركية. إن ما قامت به تركيا من إسقاط لقاذفة روسية سيكون له تداعيات كبيرة تبدأ بإخراج تركيا من دائرة التأثير في الساحة السورية وجعلها دائماً في حالة ترقب للعقاب الذي لابد أن يطولها باليد الروسية، والذي بدأ من خسارتها لأكبر مورد سياحي على الشواطئ التركية والذي تجاوزت موارده في الموسم الأخير خمس مليارات دولار.
ولن يكون آخرها دفن الحلم الأردوغاني في إحياء الإيديولوجيا والهيمنة العثمانية على المنطقة.
وفي إطار رد الفعل الروسي كانت الخطوات العملاقة: تكليف الطراد الثقيل حامل الصواريخ «مـَسكڤا» بحماية الأجواء السورية ونشر منظومة صواريخ S400 الفريدة في العالم والتي تستطيع التعامل مع أكثر من 100 هدف جوي وفضائي (طائرات، صواريخ) في الوقت نفسه وعلى الارتفاعات المختلفة وعلى مسافة 600كم.
محصلة القول فإن حلم أردوغان بإقامة منطقة حظر طيران في الأجواء السورية تحققت بحماقته، فالأجواء السورية أصبحت محرمةً على الطيران التركي.
أثناء متابعتي لقناة روسيا 24 صرح الطيار الروسي الذي تم إنقاذه أنه لن يهدأ حتى ينتقم لزميله الذي قتل بعد إسقاط طائرة السوخوي.
هنا الحقيقة تقتضي أن نسجل أن الأحداث السورية جعلت العالم يرقص على حافة البركان، والذي قد ينفجر في أي لحظة، فالعلاقات الدولية بلغت درجةً من التوتر لم يسبق لها مثيل منذ أزمة الصواريخ الكوبية في مطلع الستينيات من القرن الماضي وما كان مستحيلاً حدوثه في الأمس أصبح اليوم واقعاً، وبالقياس فإن ما يبدو اليوم من احتمالات خطرة، بعيداً، قد يكون قريباً جداً. فالاحتمالات كلها مفتوحة.
في حوارٍ خاص مع القناة الأولى الروسية قال ديمتري راغوزين إن السلاح والتجهيزات التي يستعملها الطيارون الروس في سورية من الدقة والحداثة بحيث إنها تختلف كلياً عما كان يملكه الجيش الروسي منذ أربع سنوات مضت.
جاء ذلك في سياق رده على سؤال المحاور عما ينشر في الإعلام عن سلاح روسي جديد سري يحقق التوازن الإستراتيجي مع الولايات المتحدة بالأسلحة الذكية والفتاكة دون استعمال السلاح النووي والذي يسمح بتدمير الخصم بضربة شاملة، مما يكسر إرادته ورغبته في بدء الصراع، وهذا ما نأمله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن